الثلاثاء 25 مارس 2025 02:45 مـ 26 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

الآل في القرآن الكريم وجرائم الإمامة بحق اليمن! (1-2)

الأحد 23 مارس 2025 03:22 مـ 24 رمضان 1446 هـ

لم يكن تناولات اليمنيين لمثل هذه القضايا ترفاً، أو نزقاً، أو مكايدات سياسية فكرية، فقد صلينا بها أكثر من ألف عام، ولا زلنا نتجرعها بين حين وآخر، وما زال الإماميون خاصة والهاشميون عامة يفتون بها صلب وعضد اليمن، وما زالت تتجدد في كل عصر، وفي كل عصر ينبري علماء ومفكرون يتناولونها بكل تفصيل، وكل من زاويته.
فقد كان مستفزاً جداً حديث الإماميين عبر العصور مخاطبين اليمنيين: (نحن من تصلي عليهم في صلاتك كل يوم خمس مرات)، وعليه يتم قتل نفسك، ونهب مالك، واحتلال أرضك، واغتصاب عرضك أحياناً، وتشريدك من موطنك، واستعبادك بهذا الشعار، وبهذه المغالطات.
هذه الأمور جعلتنا نمضي في التصدي لهذه المغالطات، ومن بين ثناياها وعبرها هو تصدي للفكر العفن ليس في اليمن وحسب بل هو دفاع عن الأمة كلها من مشارق الأرض إلى مغاربها، كما فعل الشوكاني، والصنعاني، ونشوان الحميري، والحسن الهمداني، وغيرهم كثير.
فاليمن اليوم هو حصن الأمة فكرياً، وعسكرياً، وثقافياً، واقتصادياً، لن تدرك الأمة قيمة هذا الحراك إلا بعد أجيال، كما أدركت فكر ومؤلفات الأعلام السابقين (الهمداني، الحميري، الشوكاني، الصنعاني)، لذلك فلا يستهينن أحد اليوم بهذا الحراك اليمني، والذي قد يبدو للآخرين شطحات يؤاخذون عليها إرهاباً فكرياً، أو قمعاً أمنياً وعسكرياً.
فقد قال إمامهم عبدالله بن حمزة: "ونحن نجاة كل مؤمن ومؤمنة، وبنا يفتح ويختم، لا تتم الصلاة إلا بذكرنا، ولا تقع النجاة إلا باتباعنا"!!
وقال الإمام يحيى حميد الدين: "ووردت فيهم [يقصد السلالة من آل علي] الأخبار الصحيحة والآثار الواضحة الصريحة، وعصم الله إجماعهم عن الخطيئات، وشرع الصلاة عليهم في تشهد الخمس الصلوات؛ معدن النبوة والوصاية والخلافة، والواجب حبهم وبغض أعدائهم على الخلق كافة، ولما نزل قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}، قيل: يا رسول الله: من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟، قال: علي وفاطمة وابناهما"!!
لذلك كان هذا مستفزاً لليمنيين وما ترتب على هذا الانحراف والاعتقاد من جرائم بحق اليمن، جعل اليمنيين يستنفرون فقهياً وفكرياً حتى يتم هدم الفقه المغلوط الذي لم يكن عند الشيعة الإمامية وحسب، بل حتى بما علق ودس في كتب السنة المعتبرة.
وبتتبع لفظ الآل، في كل مواضع القرآن الكريم، فإن اللفظ لا يضاف إلى غير العاقل أبداً، ولكنه يضاف للعاقل، وخاصة الرجل.
وقد ورد في القرآن الكريم على ثلاثة معاني، وهو أشمل من الأهل:
1- أقارب الرجل من الدرجة الأولى كأهل بيته، وكذلك أقارب الرسول زوجاته وبناته، وهذا قد فسرته عائشة -رضي الله عنها-، كما في الحديث، حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا سفيان، عن عبدالرحمن بن عابس، عن أبيه، قال: قلت لعائشة: أنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير، وإن كنا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرة. قيل: ما اضطركم إليه؟ فضحكت، قالت: ما شبع آل محمد –صلى الله عليه وسلم- من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله" ، وفي حديث آخر: عن عائشة، قالت: "ما أكل آل محمد - صلى الله عليه وسلم - أكلتين في يوم، إلا إحداهما تمرٌ".
وهذان الحديثان يوضحان من هم الآل. وهم كذلك الأهل، كما فسرته آيات لوط {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ}القمر34، وذكرهم في موضع آخر بالأهل {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ}هود81، وعليه فإن معنى الأهل هنا هو (الآل) و(الأهل) جمعوا معاً في قرابة لوط –عليه السلام. وكذلك في آل يعقوب، كما جاء على لسان يعقوب: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} يوسف 6
هنا الآل محدودون بالأسرة الصغيرة الأدنى منزلة، وهم الأهل الأبناء ذكوراً واناثاً والإخوة.
2- عموم الأقارب والذرية ومن مَتّ إليه بصلة؛ من الذرية المولودة، كالأبناء والأحفاد الذين ينسبون إلى الرجل وتتصل به سلسلتهم في جيل واحد معاش، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}آل عمران33، وقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ}البقرة248
لماذا فصل في الأمرين مع أنه أمر واحد في آل موسى، مع أن هارون من آل موسى؛ فهو أخوه ووزيره؛ إلا أنه ذكر آل هارون بإفراد؟!
ولم يخص الله –سبحانه وتعالى- آل محمد بآية قرآنية كما خص آل عمران وآل إبراهيم وآل موسى وغيرهم؛ لأن معظم أقرباء النبي لم يكونوا قد اتبعوه، ولذلك كان بقية المسلمين يجدون في أنفسهم على بني هاشم عدم اتباعهم النبي –صلى الله عليه وسلم- وهم الأولى باتباعه لأنه منهم، وهذا نجد تفسيره عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما قال للعباس بن عبدالمطلب حين أسلم: "والله لإسلامك يوم أسلمت، كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب".
ومع أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة للنبي –صلى الله عليه وسلم-، وفصل فيه كثيراً من أحوال الأمم السابقة، فقد كان أولى أن يذكر آل النبي كما ذكر آل إبراهيم وآل إسحاق وآل عمران وآل موسى وآل هارون، لكنه لم يذكرهم بشيء، وهو إيحاء ودحض لما ذهبت إليه الهاشمية من افتعال ما يسمى الآل والأهل والقربى وما إلى ذلك من محاولة وراثة النبي في نبوته وتحويلها إلى مُلكٍ لبني هاشم، ويكفينا القرآن حجة ودليلا.
يعتبر عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وعصر الصحابة هو عصر الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث والأحكام الدينية معرفةً وتطبيقاً وسلوكاً، ونحن نتحرى هذه المسألة في جيل الصحابة وكيف طبقوها بينهم. وقد وجدنا أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قد فرَّق بين آل/أهل محمد وقرابته، فاعتبر زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم- وفاطمة أهلَ وآل النبي، واعتبر علياً والعباس أقاربه، فقال أبو بكر، كما في البخاري: "أرقبوا محمداً -صلى الله عليه وسلم- في أهل بيته" أي: (زوجاته)، وقوله لعلي وفاطمة: "لقرابة النبي أحب إلي من أن أصل قرابتي".
ذكر القرآن الكريم بني إسرائيل كعرق بلفظ (بني إسرائيل) ولم يقل: آل إسرائيل، حتى بعد قرون؛ فبين إسرائيل (يعقوب) وبنيه من ناحية، وبين موسى وبني إسرائيل عامة أكثر من عشرة قرون، وهنا فإن لفظ الآل هنا أطلق على الأهل الأدنون، كما قال إسرائيل نفسه (يعقوب): {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ}يوسف6.
فقد تحدث في نفس السياق من قصة بتي إسرائيل مع فرعون في سورة الأعراف، فقال آل فرعون، وهو يدل على الخليط من الأهل والأتباع معاً.
{ولقد أخذنا آل فرعون بنقص من الأموال والثمرات لعلهم يذكرون}.. وبعد خليط بني إسرائيل وأتباع موسى من غيرهم قال عنهم (قوم موسى)..والدليل على ذلك أنه فصل في شأن موسى وهارون، في قضية الأهل والآل، بقوله: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ}البقرة248، في الأساس آل موسى وهارون واحد، لكنه هنا فصل بينهم لاعتبار الأهل الأدنين منهما، والله أعلم.
وقد يحتج محتج أن زكريا ذكر آل يعقوب بعد قرون من الزمن على أنهم بنو إسرائيل المعنيون بالقصد، ولكن استعمال وحيد في قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}مريم6، ويحتمل هذا أنه يقصد يعقوب آخر من بني إسرائيل، كما هو الحال في شأن آل عمران الذين ذكرهم لأسرتين مختلفتين زماناً ومكاناً؛ فقد ذكر آل عمران الأول وهم أسرة نبي الله موسى، وذكر أسرة آل عمران أخرى التي هي أسرة مريم أم عيسى –عليهما السلام- وبينهما قرون غابرة، وبالتالي فقد يكون يعقوب الذي قصده زكريا إما أبوه أو جده المباشرَين له لا نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؛ إذ لا مصدر حقيقي ولا سلسلة حقيقية لنسبه وآبائه في المصادر التاريخية التي اختلفت حول سلسلة نسبه وصولاً إلى النبي سليمان، ومن ثم بعد ذلك إلى النبي يعقوب بن إسحاق.
فقد ذكر آخر أنبيائهم ورسلهم وهو عيسى بن مريم –عليهما السلام- بعد إسرائيل (يعقوب) بأكثر من عشرين قرناً أنه من بني إسرائيل وليس من آل إسرائيل، وقد يكون لذلك تفسير معين وهو خلاصة الذرية والمحافظة على النسل وعدم إدخال عليها ما يشوبها، وهذا دليل آخر يدحض مسألة الآل لبني هاشم أيضاً.
فقد كان يذكر بعض بني إسرائيل، وآخرين، ويقول عن نسلهم (بني) و(ذُرِّيَّة) ولم يقل (آل) أيضاً، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا}مريم58، ولم يكن هذا الاستعمال فقط مع العهد الإسرائيلي من عهد يعقوب وحتى عيسى، بل ذكر نفس الاستعمال مع النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}النمل76
ولو كانت هناك أفضلية لجنس أو بشر على بشر لكانت لبني إسرائيل، كما في هذه الآية: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}الجاثية16؛ فقد أعطاهم النبوة، والمُلك، والكتاب، والحكم، والطيبات من الرزق، والتفضيل على العالمين؛ لكنها كانت في حينه، على جيل معين فقط هو جيل موسى، وأما العالمين المقصودين فهم عالمي زمانهم، فكيف سيكون الأمر لو كانت هذه الآية في بني هاشم الذين تجاهل الله ذكرهم كأسرة كما ذكر أسر الأنبياء المصطفاة الأخريات؛ كآل عمران، وآل يعقوب، كما قالت تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}آل عمران33، وقد بين نسبهم تعقيباً على الآية مباشرة: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}آل عمران34
.... يتبع

موضوعات متعلقة