الإثنين 17 مارس 2025 02:24 صـ 18 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

ترامب والحوثي.. ما بين استعراض القوة وتغيير قواعد اللعبة

الأحد 16 مارس 2025 05:33 مـ 17 رمضان 1446 هـ

قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم أمس قبل حوالي ١٨ ساعة بقصف الحوثيين في كل مكان داخل اليمن.
التفاصيل كثيرة للغاية وهي معروفة ومتواجدة في كل مكان.
سوف أتعرض للجوانب التي أعتقد أنها مهمة ولا أحد ينتبه لها وسط الانفجارات وزحام الأخبار.
الحوثي هدف رائع لترامب
*
الحوثي هدف سهل وانتصار سهل وسمعة شخصية حسنة لترامب.
في وسط انقسامات أمريكا الحزبية واستقطابات الرأي العام، لا يوجد أي أمريكي يمكن أن يعارض معاقبة الحوثيين.
وقد قال ترامب بنفسه يوم أمس أن الرئيس الأمريكي بايدن كان ضعيفا مع الحوثيين أم الرئاسة الجديدة تحت قيادته فهي قوية وسوف تعيد عظمة أمريكا من جديد.
وقد حرص على أن تخرج من البيت الأبيض صورا له بالكاب الأحمر المميز له ولمشجعيه من حركة ماجا MAGA وهو يتابع الانفجارات بثا مباشرا لترتبط المخيلة بشأن الضربة به شخصيا ولتكون رمزا لقوته وقيادته الفذة.
الحوثي، مصنف كقائد إرهابي لجماعة إرهابية وعلى هذا فإنه هدف شرعي لمن يريد أن يضربه.
ضرب الحوثي، هو مدخل مناسب لإعادة تأكيد نفوذ أمريكا في المنطقة وأنه لا مكان لجهود الصين وروسيا للتنافس على النفوذ في البحر الأحمر وفي عواصم دول الخليج.
الحوثي، قطع طرق الملاحة البحرية وتسبب بغلاء الأسعار في أوروبا وأمريكا والعالم كله يتوقع معاقبته بطريقة أو أخرى.
الحوثي، مكروه من كل الدول العربية الصديقة لأمريكا، وأي انتكاسة له هي أمر مرغوب به.
هذه الضربة لن تكون كافية للخلاص من الحوثي.
ولكنها بالتأكيد يمكن أن تكون عاملا مهما يضاف إلى عوامل "التآكل الذاتي" الذي ينخر في جسد الحركة الحوثية في كل اتجاه وفي كل مكان وفي كل مجال.
الحوثي، مكروه جدا عند اسرائيل والصهاينة واليهود في أوروبا وأمريكا وسوف يردون الجميل لترامب، أو سوف يستعمل ضرب الحوثي كورقة مقابضة يجب أن يدفعوا قيمتها في أي تنازلات سياسية مطلوبة لتأمين نفوذ أمريكا في المنطقة.
لا يوجد أي بواكي للحوثي في أوروبا وأمريكا.
قصة كندية صغيرة جانبية:
أخبرت صديقة كندية ذكية: "ترامب قصف الحوثيين قبل ساعات."
توقدت عيناها غضبا وردت بسرعة وتلقائية: "من يظن نفسه هذا الترامب؟ إنه لا يتورع عن عمل أي شيئ. إنه ينشر الفوضى في كل مكان."
لم أنطق بكلمة.
ظهرت على وجهي شبه ابتسامة عفوية صغيرة، كانت كافية لتحل ملامح ارتباك على وجهها محل الغضب، فاستدركت قائلة:
"ربما هذا الضرب للحوثيين سوف يكون الشيئ الجيد الوحيد الذي يقوم به ترامب."
الكنديون، كلهم تقريبا، يكرهون ترامب أشد الكراهية بسبب إجراءات التركيع الاقتصادية لهم بغرض إجبارهم ليكونوا تحت الاحتلال الأمريكي كولاية مثل باقي الولايات.
لن ينجم عن ضرب ترامب للحوثي أي حرب طويلة في المنطقة ولا أي ضرر للاقتصاد العالمي ولا يستطيع الحوثي القيام بأي انتقام.
إذا استمرت أمريكا بضرب الحوثيين فهذه استراتيجية جديدة لهذه الدولة العظمى أما إذا انشغل ترامب بلعبة جديدة فإن كل هذا يمكن فقط إضافته إلى رصيد نزواته وتخبطاته.
الرسالة لإيران: نهاية مرحلة ٤٠ سنة
*
لا يمكن أن ترسل إيران بعد اليوم أي مساعدة عسكرية أو نفطية للحوثيين.
انتهت تماما استراتيجية استعمال أذرع إيران.
حكومة ورئاسة الشرعية اليمنية، لم يعد بإمكانهم استعمال حجة أنهم يواجهون إيران.
ترامب لا يحتاج أن يوجه رسالة لإيران بقصف وكيلهم الحوثي في اليمن.
الرسول قرقاش
ترامب قد أرسل الرسالة التي يريدها مباشرة لزعيم إيران الفعلي علي خامنئي عن طريق مستشار رئيس الإمارات أنور قرقاش وقال له عيني عينك وبصراحة:
"الكثيرون هنا في واشنطن يريدون أن نقوم بتدمير مشروعكم النووي بدون إنذار ولكني لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة."
والمعلومات من طهران تفي بأنهم يدرسون رسالة إيران بجدية وأنهم سوف يوافقون على تلجيم تخصيب اليورانيوم وعلى مراقبة دولية وأنهم أيضا سوف يتوقفون عن تأليب الأقليات والطوائف الدينية في البلاد العربية.
المتوقع هو أن تنكفئ إيران على نفسها لمدة عشرين سنة على الأقل وربما إلى الأبد.
الإنسانية
*
الذي كان يرفع شعار الأزمة الإنسانية في حرب اليمن، هم الليبراليون واليساريون، نكاية بالسعودية وليس بكاء على الإنسانية.
اليوم، السعودية قد تغيرت صورتها في مخيلة العالم وهي لا علاقة لها بهذه الهجمة الترامباوية على الحركة الحوثية.
لن يقدم الليبراليون واليساريون في أوروبا وأمريكا على مساندة الحوثيين معنويا في المنظمات والإعلام مساندة الحوثيين نكاية بالسعودية. كما فعلوا من قبل.
قد انتهى تفاخر الناشطين الحوثيين بمهاراتهم في اختراق المنظمات والرأي العام والمتحررين في الغرب.
فائدة اليمن من ضربة ترامب
*
تعريف الفائدة لليمن:
"هي التقدم خطوة إلى الأمام على طريق الوصول إلى رئيس واحد و "دولة" واحدة و "جيش" واحد و "دستور" واحد ومساواة بين كل الفئات والمناطق وهذا وحده هو الذي سوف يجعل اليمن مستقرة ومزدهرة"
بهذا التعريف، لن تستفيد اليمن من ضربة ترامب للحوثيين حتى لو كانت موجعة.
أمريكا- ببساطة- ليست جمعية خيرية.
أمريكا، لم تجد حتى الآن لنفسها مصلحة مباشرة في اليمن وكل تدخلاتها المؤثرة في اليمن كانت بغرض تأمين مصالحها داخل السعودية أو ردود أفعال على الحوثيين وعلى القاعدة أو الإرهاب.
أمريكا، نفسها قصير ويتشتت انتباهها بسرعة وتغير سياساتها حسب تغير إتجاه الرياح.
هشاشة دور الإمارات والسعودية في اليمن
*
انكشفت هشاشة التحالف الداعم للشرعية اليمنية.
بعد مرور عشر سنوات على الانغماس الكامل لكل من الرياض وأبو ظبي في كل شؤون ومعارك ونزاعات وميليشيات ونخب ورؤساء اليمن، لم يتمكنوا من خلق قوة أو كيان يمكن أن ينطلق ويستفيد من ضربات ترامب على الحوثيين التي ابتدأت يوم أمس.
المرجح هو أن ترامب لم يتشاور مع أي دولة خليجية قبل أن يضرب الحوثي وإن كان من المحتمل أن يكون قد أخطر الرياض أو أبو ظبي قبل قذف أول صاروخ نحو الحوثيين بحوالي نصف ساعة.
والمرجح، هو أن ترامب كان قد تلقى توسلات من دول خليجية- لأسباب لا علاقة لها بمصلحة اليمن- بألا يضرب الحوثيين ولكن ترامب تجاهل كل ذلك.
هشاشة رؤساء اليمن الثمانية
*
الحوثيون، يتم ضربهم بقسوة من قبل أمريكا بينما يوجد على الجانب الآخر ثمانية رؤساء لا ينطقون بكلمة.
هم بالتأكيد مبتهجون بضرب ترامب للحوثيين.
هم لا يستطيعون تأييد ضربة ترامب خوفا مما يمكن أن يقال عن تفريطهم بالسيادة الوطنية أو عدم اكتراثهم بالضحايا من المدنيين.
هم لا يستطيعون معارضة ضربة ترامب لأنهم أولا وقبل كل شيئ يريدونها أن تستمر حتى يتم القضاء على الحوثيين مجانا من قبل ترامب.
مرحلة جديدة
*
هذه مرحلة جديدة لليمن سوف تختفي داخلها أي دور لإيران وسوف يضمحل بها الوجود الحوثي تدريجيا حتى يذوب ويتلاشى.
وقد ظهرت بوضوح هشاشة رؤساء اليمن الثمانية والتحالف الذي يدعمهم.
وهكذا، بعد كل هذه الضوضاء، يبقى المشهد اليمني عالقا في نفس المعضلة:
رؤساء بلا قرار، تحالف بلا رؤية، ومجتمع دولي بلا التزام.
وبينما يُستنزف اليمن في معارك بلا نهاية، يستمر الشعب في البحث عن مخرج من دوامة العبث.
برقية تلغرافية
*
ونحن نحاول لفت أنظار الرؤساء الثمانية وأنظار الرأي العام اليمني إلى ضرورة أن نقوم نحن كلنا بكسر هذه الحلقة المفرغة.