من “ما نبالي” إلى “مدري”: الحوثيون بين الغرور والانهيار

في تحول دراماتيكي يكشف حجم التصدعات داخل صفوف مليشيا الحوثي الإرهابية، لم تعد عبارات التحدي والغطرسة التي اعتاد قادتها ترديدها تجد مكانًا في خطابهم المتوتر. فمن شعار “ما نبالي” الذي طالما رفعته الجماعة تعبيرًا عن غرور القوة والتباهي بالبطش، إلى شعار “مدري” الذي بات يتكرر على ألسنة قادتها وإعلامييها، يتجلى بوضوح أن المليشيا تمر بأضعف حالاتها، وتهوي سريعًا نحو مرحلة السقوط الحتمي. “ما نبالي” لم تكن مجرد عبارة عابرة، بل كانت تختزل رؤية الجماعة لنفسها كلاعب فوق القانون، لا يكترث بالخسائر، ولا يعترف بالمحاسبة. كانت تعبيرًا فجًّا عن حالة من الطغيان والدموية التي مارستها المليشيا في حق اليمنيين، مدفوعة بدعم إيراني سخي، وسرديات كاذبة عن “الحق الإلهي”. لكن الزمن تغيّر، ومع اشتداد الخناق العسكري والسياسي، ومع الانهيارات المتكررة في الجبهات، بدأ صوت الغرور يخفت، وحلّ مكانه صوت المرتبك الذي يهمس: “مدري”.
اليوم، لم تعد الجماعة تملك أجوبة على الأسئلة المتزايدة حول خسائرها المتلاحقة، أو أسباب التخبط في قراراتها، أو حتى مستقبلها. حالة “اللا جواب” التي تجسّدها كلمة “مدري” لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج مباشر لحالة الرعب التي تعيشها قيادة الجماعة، التي باتت تدرك أن هامش المناورة يضيق، وأن الكذبة التي استمرت لسنوات تنهار أمام أعين الجميع. ليس غريبًا إذًا أن تتحول لهجة مسؤولي المليشيا من الحسم إلى الغموض، ومن الزهو إلى التبرير، ومن “ما نبالي” إلى “ما أدري”. فهذا التحول ليس مجرد تغيير لغوي، بل هو مرآة لواقع داخلي مأزوم، وتعبير صريح عن فقدان السيطرة، وغياب الرؤية، واقتراب النهاية. "مدري" باتت اليوم لسان حال قيادات كانت حتى وقت قريب لا تتحدث إلا بلغة الواثق المنتصر. أما الآن، فهم لا يعرفون كيف يبررون الهزائم، ولا إلى أين يقودهم هذا النفق المظلم، ولا كيف يمكنهم إنقاذ مشروعهم المتداعي، فصار الجواب الوحيد المتاح لديهم: "ما أدري". في النهاية، لا شيء يختصر المشهد الحوثي اليوم أكثر من هذه المفارقة اللغوية من غطرسة “ما نبالي” إلى ارتباك “مدري”. وبين هاتين الكلمتين تختبئ قصة جماعة فقدت توازنها، وباتت تتخبط في انتظار لحظة الانهيار الكبير. إنها لحظة فاصلة. فعندما تبدأ الجماعات المسلحة في التراجع من شعارات التحدي إلى لغة التهرب والإنكار، فإن ذلك لا يعني فقط أنها في أزمة… بل يعني أن سقوطها مسألة وقت.