صعدة تشهد حالة استنفار أمني غير مسبوقة مع تصاعد الضربات الأمريكية ضد الحوثيين

تشهد محافظة صعدة، المعقل الرئيس لجماعة الحوثيين المدعومة من إيران، حالة استنفار أمني غير مسبوقة، في ظل تصاعد الضربات الجوية التي تنفذها القوات الأمريكية ضد مواقع استراتيجية ومخابئ تابعة للجماعة.
هذه الضربات، التي تستهدف تعطيل البنية التحتية العسكرية والقدرات اللوجستية للحوثيين، جاءت في إطار تصنيف واشنطن للجماعة كمنظمة إرهابية، مما أثار قلقًا واسعًا داخل صفوف الجماعة وأجبرها على اتخاذ إجراءات أمنية مشددة.
حملة اعتقالات واسعة وتشديد أمني
وفقًا لما كشفته منصة "ديفانس لاين" اليمنية، شهدت المحافظة خلال الأيام الأخيرة حملة اعتقالات واسعة طالت عددًا من المواطنين بتهمة "تسريب معلومات حول مواقع الجماعة" إلى جهات خارجية.
وتُدير هذه الحملة عدد من أبرز القيادات الأمنية والاستخباراتية التابعة للحوثيين، في محاولة للسيطرة على الوضع الأمني المتأزم داخل المحافظة.
ويأتي في مقدمة المسؤولين عن هذه الإجراءات القيادي حسن عبدالرحيم الحُمران، مدير فرع "جهاز الأمن الوقائي الجهادي" في صعدة.
ويُعتبر الحُمران نجل المرجعية الفكرية للجماعة، عبدالرحيم قاسم أحسن الحُمران، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس جامعة صعدة ورئيس لجنة الحشد العسكري والتعبئة الطائفية.
ويشير مراقبون إلى أن تعيين الحُمران في هذا المنصب الأمني الحساس يعكس مدى أهمية صعدة بالنسبة للجماعة، باعتبارها مركزًا استراتيجيًا ورمزيًا.
كما يشارك في الحملة محمد أحمد إبراهيم المحطوري، المشرف الأمني في صعدة، إلى جانب محمد يحيى صلاح العجري، المسؤول عن فرع جهاز الأمن والمخابرات.
وتتم هذه الإجراءات بالتنسيق الوثيق مع فرع الاستخبارات العسكرية الذي يُشرف عليه مركزيًا القيادي البارز عبدالله يحيى الحاكم، المكنى بـ"أبو علي الحاكم"، والذي يُعد أحد أبرز الشخصيات المدرجة على قائمة العقوبات الأمريكية بسبب دوره في دعم الأنشطة الإرهابية للجماعة.
حالة الهلع والارتباك داخل صفوف الحوثيين
تعكس هذه التحركات حالة من الهلع والارتباك داخل أوساط الجماعة، التي باتت تواجه تحديات أمنية متصاعدة.
فقد كشفت الضربات الأمريكية الأخيرة عن ضعف واضح في قدرة الجماعة على حماية مواقعها الاستراتيجية، ما دفعها إلى تشديد الإجراءات الأمنية وملاحقة كل من يشتبه في تعاونه مع أطراف خارجية.
وبحسب مصادر محلية، فإن الحملة الأمنية ترافقت مع انتشار مكثف للنقاط الأمنية في مختلف مديريات المحافظة، بالإضافة إلى عمليات تفتيش واسعة النطاق تستهدف المنازل والمزارع.
ويرى محللون أن هذه الإجراءات قد تكون مؤشرًا على وجود معلومات استخباراتية دقيقة لدى الولايات المتحدة حول مواقع الحوثيين، وهو ما دفع الجماعة إلى محاولة سد الثغرات الأمنية ومنع أي تسريب للمعلومات.
ومع ذلك، فإن هذه الخطوات قد تؤدي إلى زيادة الاحتقان الشعبي داخل المحافظة، حيث يشعر السكان المحليون بأنهم أصبحوا رهائن لممارسات الجماعة القمعية.
تصعيد أمريكي وإقليمي يغيّر موازين الصراع
يأتي هذا التصعيد الأمني في وقت تشهد فيه المنطقة تحركات إقليمية ودولية قد تغيّر موازين الصراع في اليمن. فعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية التي تبذلها بعض الأطراف الدولية لإنهاء الحرب المستمرة منذ سنوات، إلا أن الضربات الأمريكية المتزايدة ضد الحوثيين تشير إلى تصعيد عسكري قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
وتؤكد المصادر أن الضربات الأمريكية تستهدف بشكل أساسي مواقع تخزين الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى مراكز القيادة والتحكم التابعة للجماعة.
ويعتقد أن هذه الضربات تأتي في إطار الرد على هجمات الحوثيين المتكررة على المصالح الغربية والسعودية والإماراتية في المنطقة، والتي استخدمت فيها تقنيات متقدمة زودتهم بها إيران.
مستقبل غامض لصعدة والحوثيين
في ظل هذه التطورات، يبدو أن محافظة صعدة تتجه نحو مرحلة جديدة من التوتر والاضطراب، حيث تسعى الجماعة إلى تأمين معقلها الرئيس من أي اختراق أمني أو عسكري.
ومع ذلك، فإن تصاعد الضربات الأمريكية والضغوط الإقليمية قد يجعل من الصعب على الحوثيين الحفاظ على سيطرتهم الكاملة على المحافظة، خاصة مع تنامي الاستياء الشعبي وظهور مؤشرات على تصدع في بنية الجماعة الداخلية.
وفي الوقت نفسه، تبقى الأنظار موجهة نحو كيفية استجابة المجتمع الدولي لهذه التطورات، وما إذا كانت الجهود الدبلوماسية ستتمكن من تحقيق اختراق حقيقي يؤدي إلى تخفيف حدة التصعيد وفتح المجال أمام حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.
فإن حالة الاستنفار الأمني في صعدة تعكس بوضوح التحديات الكبيرة التي تواجهها جماعة الحوثيين في ظل التصعيد الأمريكي والإقليمي.
ومع استمرار الضربات الجوية والتغيرات في موازين القوى، قد تكون الجماعة أمام اختبار صعب قد يحدد مستقبلها ومصيرها في المشهد اليمني.