طهران تقدم تنازلاً استراتيجياً: الحوثيون ورقة تفاوض قابلة للمقايضة في محادثات مسقط

في تطور لافت يعكس تحولاً استراتيجياً محتملاً في سياسات إيران الإقليمية، كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة عن أن الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط، شهدت تقديم طهران تنازلاً صريحاً بشأن دعمها المستمر لجماعة الحوثيين في اليمن.
هذا التحرك يشير إلى استعداد إيران لإعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية في محاولة للتخفيف من الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة.
إيران تفاجئ واشنطن بعرض "التخلي التدريجي" عن الحوثيين
وفقًا للتسريبات الدبلوماسية، فاجأ الوفد الإيراني نظيره الأمريكي بعرض يتضمن تخلي طهران التدريجي عن دعمها العسكري والسياسي للحوثيين، ضمن إطار صفقة أوسع تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.
ومن بين البنود المقترحة، فتح المجال أمام استثمارات أمريكية في السوق الإيرانية، وتزويد النفط الإيراني بأسعار تفضيلية، مقابل الحصول على ضمانات أمنية من واشنطن بعدم استهداف إيران عسكريًا.
هذا التحول يأتي في وقتٍ تتصاعد فيه الضربات العسكرية الأمريكية ضد مواقع حوثية في اليمن، ما أسفر عن خسائر كبيرة في البنية التحتية للجماعة المسلحة، وأثار تساؤلات حول استمرارية شبكة الدعم الإيراني التقليدية للميليشيات المسلحة في المنطقة.
البيت الأبيض يصف المحادثات بـ"الإيجابية والبنّاءة"
في أول تعليق رسمي، وصف البيت الأبيض الجولة الأولى من المحادثات بأنها "إيجابية وبنّاءة"، مؤكداً أن المبعوث الرئاسي الخاص ستيفن ويتكوف نقل رسالة واضحة إلى طهران مفادها أن إدارة الرئيس جو بايدن ترغب في معالجة الخلافات القائمة عبر الحوار، مع التلميح إلى انفتاح واشنطن على خفض التصعيد إذا استمرت طهران في تقديم التنازلات.
وأشارت المصادر إلى أن الجلسة التي استمرت نحو ساعتين ونصف شهدت نقاشات موسعة حول الملف النووي الإيراني والعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.
إلا أن اللحظة الأبرز كانت عندما أعرب الوفد الإيراني عن استعداده لإعادة تقييم علاقاته مع حلفائه التقليديين في المنطقة، وعلى رأسهم الحوثيون، الذين بدا وكأنهم أصبحوا ورقة تفاوض قابلة للمقايضة.
مرونة إيرانية غير مسبوقة
مصادر دبلوماسية أكدت أن الوفد الإيراني لم يضع خطوطًا حمراء بخصوص الحوثيين، بل أظهر مرونة مفاجئة تجاه مطالب واشنطن.
وقد اعتُبر ذلك مؤشراً على تخلّي طهران المحتمل عن الجماعة المسلحة كجزء من صفقة أوسع تهدف إلى تفادي المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.
هذه الخطوة، التي تبدو غريبة على استراتيجية إيران الثابتة منذ سنوات، قد تنذر بتغييرات جذرية في مواقف طهران تجاه أدواتها الإقليمية.
ويأتي ذلك في ظل تصاعد التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه النظام الإيراني، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية المتشددة، والضغوط الشعبية داخل البلاد، والتهديدات الأمنية المتزايدة في المنطقة.
ترقّب إقليمي واسع للجولة المقبلة
الجولة المقبلة من المفاوضات مقررة السبت القادم، وسط ترقّب إقليمي واسع لما قد تحمله من تحوّلات قد تعيد رسم خارطة التحالفات في المنطقة.
وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق نهائي، فقد يكتب ذلك نهاية الدعم الإيراني للحوثيين الذي طالما اعتُبر حجر الزاوية في تمدد الجماعة المسلحة عسكرياً وسياسياً داخل اليمن.
ردود فعل إقليمية متباينة
على الصعيد الإقليمي، أثار هذا التطور ردود فعل متباينة. فبينما رحب بعض الأطراف، مثل السعودية والإمارات، بإمكانية تراجع النفوذ الإيراني في اليمن، أعرب آخرون عن مخاوفهم من أن يكون هذا التحول مجرد تكتيك مؤقت يهدف إلى تخفيف الضغوط الدولية على طهران.
وفي الوقت نفسه، تواجه جماعة الحوثيين نفسها تحديات كبيرة في التعامل مع هذا التغير المحتمل في موقف حليفتها الرئيسية.
هل نشهد بداية مرحلة جديدة؟
يبقى السؤال الأكبر هو ما إذا كان هذا التحول في موقف إيران يعكس استدارة استراتيجية طويلة الأمد، أم أنه مجرد خطوة تكتيكية تهدف إلى تحسين موقف طهران في مواجهة الضغوط الدولية.
ومع استمرار المحادثات، تتزايد المؤشرات على أن الشرق الأوسط قد يشهد قريبًا تغييرات جذرية في موازين القوى، مما يجعل هذه الجولات التفاوضية واحدة من أهم المحطات السياسية في السنوات الأخيرة.