الصوفية الرافعة الثانية للهاشمية والتشيع (الحلقة الثانية)

تعظيم الصوفية للهاشمية:
ساهم كثير من المؤلفين والصوفية والأتباع، عبر التاريخ، الذين كانوا يمثلون إعلاميي زمنهم، في تعظيم وتبجيل الهاشمية والهاشميين.
ففي كتاب السلوك للجندي مثلاً، وكذلك كتب التاريخ القديمة، نجد الخزرجي يثني ثناءً كبيراً على بعض الأئمة، وينسب لهم الكثير من الخرافات رغم أنه سني من رجال الدولة الرسولية التي حاربت الإمامة عبر التاريخ. كما ينسبون الخرافات والكرامات لشخصيات سلالية هاشمية سواء من أعلام الصوفية أو غيرها، باعتبارهم من العرق المقدس و(آل البيت، وقرابة النبي)!
ومن هذه الصور مثلاً ما قاله الخزرجي، وغيره، عن بعض الهاشميين كأحمد بن الحسين الذي نقض أكثر من خمس اتفاقيات وأصلاح (جمع صلح) مع الملك المظفر، وقتلته الحمزات سنة 656ه، وهي يومئذ مع الملك المظفر، وقال فيه: "قال الجندي أخبرني الثقة أن موضع قبره الأول بسواية يوجد عنده رائحة المسك".
كما قاله الواسعي في تاريخه عن الإمام أحمد بن الحسين، الذي خرج على الملك المظفر الرسولي وادعى الإمامة، وقام بقيادة معارك متعددة على الدولة الرسولية، إلا أن الملك المظفر أخمد حركته وقتلته الحمزات، قال عنه: "قبر الإمام المهدي أبو طير مشهور يزوره الناس ويتبركون به، وقيل إنه ظهرت له كرامات بعد موته!"..
وقال الكبسي -في تاريخه: "وصار له الحظ الأوفر من اعتقاد الناس بمشهده [قبره] وكثرة الأوقاف عليه حتى صار أهل البلدان معتاشين على أوقافه قرناً بعد قرن"!( ).
بل إن مجد الدين المؤيدي عظمه أكثر من ذلك، فقال: "وكان هذا الإمام المهدي (أبي طير) كثير الشبه بجده (المصطفى) خلقاً وخلقاً"!، وقال بعض مؤرخيهم: "إن قبر الإمام أحمد بن الحسين، الذي قتلته بعض الزيدية المتحالفة مع الملك المظفر الرسولي قبره مبارك ويستشفى عنده وتفوح منه رائحة المسك، والدعوة عنده مستجابة"!( ).
كما قال الخزرجي عن علي الأهدل (جد مهادلة اليمن اليوم): "وفي سنة تسعين وستمائة "توفي الشيخ أبو الحسن علي بن عمر المعروف بالأهدل، وكان كبير القدر شهير الذكر. يقال [وضعوا ألف خط تحت كلمة يقال هذه] أن جده محمد قدم من العراق إلى اليمن على قدم التصوف، وهو شريف حسيني سكن أجواف السوداء من وادي السهام، وأولد هناك. وكان ابن عمه هذا علي بن عمر بن محمد على طريقة مرضية، واختلف في من أخذ عنه اليد، فقيل إنه مجذوب، وقيل بل صحب رجلاً سائحاً من أصحاب الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقال له محمد بن سنان الأحوزي، وقيل بل رأى أبا بكر الصديق فصافحه وأخذ عنه يد التصوف، وقيل صحب الخضر - عليه السلام!".
تعج الأدبيات الصوفية بالهاشمية (أدب، أشعار، طرق عبادة، تدجين العوام، أقوال، عبارات ثناء، نشر عقيدة الشيعة في صراع علي ومعاوية ويزيد والحسين، محبة علي، موالاة علي والحسنين، سيدا شباب أهل الجنة، الزهراء، البتول...إلخ، وسب يزيد واستحضار مظلومية الحسين، وأنه خرج ثائراً على ظلم يزيد).
ومما ورد بعض من هذه الصور كقول القسم بن هتميل يمدح الملك المظفر بنصره على الإمام تاج الدين الشريف في جهران:
أحييته بالعفو ثم لقيته
ببشاشة وسكينة ووقارِ
ووهبته دمه بجاه محمدٍ
ورضى عليٍّ وجعفر الطيارِ
لو أن غيرك يامظفر صاده
لكساه ثوبي ذلة وصغارِ
ومن هذا التأثير بما يسمى (الآل) أو (القرابة) أو (النسب الشريف)، كما يسمونه، كان يحجم الملوك والأمراء عن قتل أو استئصال الإماميين تهيباً لما ألقي في روعهم من تأثير هذه القرابة على أنها جرائم واستحلال دماء (آل البيت)، كما تم تثبيتها مظلومية تاريخية تحولت إلى أكبر ظالمة للأمة حال تمكنها، ما تلبث أن تكون هجمة مرتدة على الدول لا يألو الإماميون جهداً معها ولا يدخرون وسعاً ولا إلاً ولا ذمة في سفك الدماء والتدمير والخراب والنهب والتشريد والأسر وهتك الأعراض والتعذيب حتى الموت والاجتثاث والاستئصال لغيرهم، ولا يتعاملون بالحسنى ولا الرد بالمثل لخصومهم.
ومن هذه الصور والمواقف أن أحد أمراء الهاشميين الحمزات، واسمه صارم الدين داود بن الإمام المنصور عبدالله بن سليمان بن حمزة [حفيد الإمام السفاح الكبير عبدالله بن حمزة]، كان قد رهن ابنه على صلح مع الملك المظفر يوسف بن عمر في قلعة الدملؤة، بعد حرب وموقعة جهران التي هزم فيها الإماميون شر هزيمة، وقيل كان أسيراً، كتب قصيدة شعرية للملك المظفر يترجاه إطلاق ابنه محمد من الرهن، وقيل الأسر، يقول فيها:
أعاتبه في الهجر أم لا أعاتبه
وأصبر حتى يرعوي أم أجانبه؟!
فمن مبلغ عني إلى الملك يوسفٍ
أبي عمر معطي الجزيل وواهبه
ومالي قول مسخط غير أنني
أذكره الخط الذي هو كاتبه
فشفِّع أبانا في بنيه فإنه
شفيعك في الذنب الذي أنت كاسبه
فيقال أن الخليفة -رحمه الله- [كان يطلق لقب الخليفة على الملك المظفر] لما قرأ هذا البيت بكى، وقال: أخلصه كرامة لجده -صلى الله عليه وسلم-، ويقال أنه رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- فمسح على وجهه وقال: لأجازينك يوم القيامة بها. (هكذا تقول الروايات.. ويقصدون ب"أبانا" يعني رسول الله، مع أن الله سبحانه يقول: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}40 الأحزاب)..
من هنا كان يتم نزع فتيل مواجهة العامة من الناس، وتدليل بعض الملوك الخاصة في عدم مواجهة ظلم الإمامة ويستكينون ويخضعون لها عبر التاريخ اليمني، على الرغم من مواجهة الملك المظفر القوي للإمامة في حياته، وباعتبار مواجهتهم والثورة عليهم مواجهة مع الله أو ضد النبي وأقربائه، لتسود الإمامة وتتسلط على رقاب اليمنيين أكثر من ألف عام في بعض المناطق الشمالية، وستظل إن ظل هذا الصاعق منزوع الفتيل.
غالباً الصوفية فرقة مسالمة لا تحمل السيف، وتكون إما إلى جانب السلطان وحكوماته أو معتزلة كل شيء، إلا أن أدبياتها هي التي تروّض الناس للهاشمية وتتغنى بهم.
وعلى الرغم من أن الشاعر الصوفي الزاهد عبدالرحيم البرعي يغلب عليه الزهد وقصائده من أفضل القصائد الروحانية التي تفيض هياماً ووجداً روحياً، وهو غير هاشمي، إلا أن له بعض الهنّات التي تمجد الهاشمية والسلالية، التي ترفع من مكانتهم الاجتماعية وتدجن وتخضع المجتمعات لهم ورفع مقامهم حتى لا يجوز معارضتهم، والتسليم بكل ما يقولون، في مصادرة للعقل البشري الذي أمرنا الله باستخدامه وميز البشرية به للتفكر فيما يصلح لها وما يضرها.
ونتيجة لهذا التعظيم التاريخي والتملك الزمني خضعت البلاد لكل أفكارهم حتى عدت معارضتهم معارضة للدين، وبالتالي يكونون عرضة للسيامة والتلقين والاستعباد، وهو ما جرى في بلادنا طيلة القرون الماضية؛ أنتج أمة متخلفة، وشعباً مستكيناً تسوقهم الخرافات الإمامية وتصادر عليهم كل شيء؛ فكانت العبودية المزمنة بحق، التي أبقت الإمامة جاثمة على صدور الشعب اليمني أكثر من ألف عام.
للبرعي قصيدة من أخطر القصائد التي تعكس الفكر الصوفي ومشايعتهم للإمامة، والأكثر وضوحاً في الربط بين النبوة والإمامة والوراثة والشيعة الاثني عشرية، معدداً أبرز وجوه السلالية الإمامبة الهاشمية الاثني عشرية والصوفية السنية، وما كدت أصدق أنها له في ديوانه، إلا أن تكون مدسوسة عليه في الديوان، وهي لب قصائده كملحمة يذكر فيها سند خرقته الصوفية وتسلسلها، أختار مقطعها الذي تحدث به عن هذه السلسلة من قصيدة مطولة.
قال الشاعر الصوفي عبدالرحيم البرعي:
لله خِرقَةِ أنوارٍ تداولها
أئمةٌ لهمُ التمكينُ والجاهُ
سر تشفَّع من سر الغيوب فما
زالت بصائر أهل الحق ترعاهُ
ما بين جبريل والطهر ابن آمنةٍ
إلى الإمام علي كان مسراهُ
وفي الحسين وفي نجل الحسين
وزين العابدين رحيم القلب آواه
وباقر العلم فالميمون جعفره
وكاظم الغيظ موسى من كموساه؟
أبي علي الرضى سامي الفخار وكم
مستقبل السر من ماضٍ تلقاه
أئمة من بني الزهراء لهم شرفٌ
هم خمسة حيدرة فيهم وزهراه
هم عرّفوا الشيخ معروف أخا كَرْخٍ
أدنوه قبل سري وهو أدناه
سار السري على آثار سيرتهم
إلى الجنيد مجداً حين آخاهُ
إلى المحدث عبدالواحد القمر
الساري فأودعه مصباح دنياه
أعني أبا الفرج الهادي فخص به
أبا سعيد كذاك الفرد عُقباه
ومنه في الشيخ عبدالقادر ابتهجت
طلائع الفضل نوراً في مُحيّاه
كالشمس تسفر من أقصى مطالعها
حسناً وكالبدر ملء العين مرآه
وكالغمام إذا استمطرته كرماً
وكالصبا خلقاً إن رق مهواه
من آل فاطمة الزهراء ذو شرفٍ
أتى به الدهر فرداً عن مثيناه
على جلالته أنوار هيبته
كالسيف إن راق حسناً رق مرقاه
فخراً لجيلان دون العالمين به
إذ غاية الشرف الأعلى قصاراه
ألقى من السر في الحداد نور هدىً
هداه وهو لفرد العصر أدّاه
محمد ذي التقى المكي بن أبي
بكر فذاك سر الله آتاه
إلى ابنه الشيخ عبدالواحد اتصلت
أسبابه فأبو عثمان مولاه
إلى أبي بكر الشامي من عمرٍ
إلى أخيه علي نجم عُلياه
وصارم الدين إبراهيم صنوهما
أجله في ذرى صنويه عماه
الناصبي شهاب الدين سيدنا
شمس لدين الذي طابت سجاياه
الماخذ الحوضي فهو المنتقى شرفاً
في رتبة نال منها ما تمناه
أغشى العرابي من أنوار بهجته
سر العناية منه حين ولاه
فلم يزل عمر الفاروق مرتقباً
إلى جناب عزيز عز مرقاه
أولئك الزُّهرا أرباب الكمال فما
يزال مسمعهم فيه ومرماه
أهل الولاية والعزل الذين همُ
فخر ينيف على الجوزاء أدناه
ولذلك لا غرابة اليوم ونحن نشاهد خطاب علي الجفري متحدثاً عن سلسلة عمامته الهاشمية، ويسوق لها في القنوات واللقاءات الجماهيرية كنوع من السطوة الهاشمية الصوفية في ادعاء العلم والمعرفة وتنصيبه شيخاً من مشايخ الصوفية.
وللبرعي أيضاً في مدح أحمد بن محمد الأهد تعظيماً له:
صُورتَ من حسب ومن نسب ومن
أدبٍ ومن يُمنٍ ومن إيمان
وخلقت من شرف ومن كرم ومن
ملك ومن قمر ومن إنسانِ
مُزجتْ طباعك بالسماحة والوفاء
فحوت جميع الحسن والإحسانِ
شرف أناف إلى منافٍ وانتهى كرماً فما أدناه عبد مداني
من دوحة نبوية علوية
في أصلها الزهراء والحسنان
والأهدليون الكرام فروعها
وذمار ذاك المنصب الصنوان
لولا علي الأهدل السامي الذرى
ما افتر نور جواهر الأكوانِ
وهو المصطفى من ذؤابة هاشم
فرد الزمان وفرد كل زمان
وأبوه حيدرة وأحمد جده
وأخوه عبدالقادر الجيلاني
وقال في مدح عثمان بن أحمد الأهدل:
أبوه سيد عدنان فبورك من فرع منيف نماه الأصل عدنان
وجده الأهدل المشهور سيرته
مبارك كله يمن وإيمان
إن ابن احمد شمس في جلالته
وليس كالشمس بهرام وكيوان
له بفاطمة الزهراء وحيدرة
وأحمد شرف يسمو وبنيان
وله قصيدة يمدح فيها النبي والصحابة:
وعلى أبي السبطين حيدرة الذي
مازال في الحرب الهزبر الضيغما
ترتاده الآمال روضة (محمل)
وتذوقه الأعداء سماً علقما
وعلى الحسين وصنوه حسن فقد
سَمَيا بأمهما عُلا وأبيهما
والآل والصحب الكرام فإنهم
شهب إذا ليل الحوادث أظلما
.... يتبع