الفرصة الذهبية للدبلوماسية اليمنية في مواجهة الإرهاب الحوثي

منذ بدأت الغارات الأمريكية والبريطانية على جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن بتاريخ 12 يناير 2025، عاد اسم اليمن إلى واجهة الأحداث الدولية، وأصبحت أنظار العالم تتجه نحو هذه الجماعة التي طالما أقلقت الأمن الإقليمي والدولي. العالم اليوم يتحدث عن الحوثيين، بعد سنوات من الصمت والتغاضي، وها هو اسمهم يتردد في وكالات الأنباء وقنوات الأخبار. هذه اللحظة، وإن كانت مليئة بالتحديات، تمثل فرصة ذهبية للدبلوماسية اليمنية للانطلاق مجددًا.
القصف الأمريكي الذي دخل أسبوعه الثالث، استهدف أكثر من 35 موقعًا تابعًا للمليشيا، شملت مخازن أسلحة وصواريخ ومنصات إطلاق ومراكز قيادة وتحكم في صنعاء والحديدة وصعدة، ضمن عملية دقيقة، تقول وزارة الدفاع الأمريكية إنها استندت في كثير من معلوماتها إلى إحداثيات تم تسليمها من قيادات داخل الجماعة الحوثية نفسها، ما يؤكد هشاشة هذه الجماعة التي يسهل شراؤها واختراقها.
لكن رغم هذه الضربات، لا تزال جماعة الحوثي موجودة، ولا تزال تشكل تهديدًا فعليًا لليمن والمنطقة، وهو ما يفرض على الحكومة اليمنية الشرعية تحركًا دبلوماسيًا واسع النطاق. ما يحدث اليوم هو لحظة نادرة، فتحت فيها أبواب المجتمع الدولي مجددًا للاستماع، ويجب على الدبلوماسية اليمنية ألا تضيع هذه الفرصة.
منذ ظهرت جماعة الحوثي إلى العلن في 2004، وهي تسير بخطى ثابتة نحو تحويل اليمن إلى منصة صراع إيراني، وقد نجحت للأسف في ذلك عبر انقلابها في 21 سبتمبر 2014، وهو الانقلاب الذي دمر الدولة اليمنية، وأدخل البلاد في حرب تسببت بمقتل أكثر من 377 ألف إنسان بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2021، ودفعت 70% من اليمنيين تحت خط الفقر، وأوقفت رواتب أكثر من مليون موظف حكومي.
الدبلوماسية اليمنية اليوم في يد وزير صاحب خبرة طويلة، هو شائع محسن الزنداني، الذي تم تعيينه وزيرًا للخارجية في أوائل عام 2024. هذا التعيين شكّل بحد ذاته بارقة أمل، خصوصًا بعد سنوات من الشلل السياسي الخارجي. وقد بدأ الزنداني بإصلاح الوزارة من الداخل، وأعاد تفعيل العديد من البعثات، وأطلق خطابًا أكثر انفتاحًا، لكن المرحلة الحالية تتطلب منه ومن الحكومة الشرعية مضاعفة الجهود.
على وزارة الخارجية اليوم أن تتحرك في عدة اتجاهات:
أولاً: إرسال ملفات حقوقية موثقة عن جرائم الحوثيين إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والإدارة الأمريكية.
ثانيًا: التنسيق مع الدول الكبرى لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية دوليًا، بشكل دائم.
ثالثًا: تنظيم جولة سياسية خارجية واسعة لوزير الخارجية في العواصم المؤثرة.
رابعًا: تفعيل الإعلام الخارجي التابع للشرعية لنقل معاناة الشعب اليمني وصور الدمار التي خلّفتها هذه المليشيا.
ما يحتاجه اليمن الآن ليس فقط الدعم العسكري، بل الغطاء السياسي والدبلوماسي لاستعادة الدولة. فالمعركة اليوم ليست فقط في الجبهات، بل أيضًا في المحافل الدولية، حيث تُصنع القرارات وتُبنى التحالفات. لدى اليمن قضية عادلة، وشعب صامد، ووزير خارجية يمتلك الأدوات، فقط يحتاج إلى الدفع والدعم من القيادة السياسية.
إن التأخير في استثمار هذا الزخم قد يكلف اليمن سنوات أخرى من العزلة، أما التحرك السريع والذكي فسيمنح اليمن صوتًا قويًا، وسيُمهّد الطريق لعملية استعادة شاملة للدولة، تبدأ بالكلمة وتنتهي بالفعل.