الأربعاء 26 مارس 2025 02:19 صـ 27 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

الشهيد أحمد يحيى الأبارة.. الأخلاق تمشي بقدمين

الثلاثاء 25 مارس 2025 05:47 مـ 26 رمضان 1446 هـ

ما أحب الناس أحدا في حياته إلا لقيمة عظيمة أضافها إلى مسرح الحياة، وما تخلد أحد بعد مماته في ذاكرة الأحياء إلا دليل فرادة وتميز وفراغ في المكانة والمكانة اللذين تركهما هذا الراحل. وبين يدينا اليوم نموذج مشرف من عظماء اليمن الأحرار ونبلائهم المستنيرين الشهيد أحمد الأبارة.

أحمد يحيى غالب حسن الأبارة، المولود في قرية المصنعة، عزلة الأبارة، محافظة ريمة، في العام 1952م، من أسرة مشيخ وجاه ومال، ميسورة الحال، حيث كان والده من الملاك للأراضي الزراعية في الوديان والجبال.

تنشأ صغيرا بين أحضان تلك الطبيعة الخلابة، آخذا من شماريخ جبالها شموخ نفسه، ومن اخضرار طبيعتها اخضرار قلبه، ومن جريان وديانها عطاءات يده، ومن صلابة جغرافيتها ثباته الدائم على المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة في أرفع سموقها وشموخها.

النموذج الاستثناء الذي ولد قائدا، ومات قائدا، تحفه ثناءات الناس، وتباركه دعواتهم حيا وميتا.

دفع به والده الى معلامة الفقيه الصوفي محمد صالح الأبارة، الذي تتلمذ على يديه كبار أبناء المشايخ والوجهاء في المنطقة، ولما يكمل عامه الرابع، فختم القرآن الكريم في فترة وجيزة، حذق بعدها ما تيسر له من علوم الفقه والفرائض والنحو والحساب، وكان من أنبه الطلاب في الحفظ والإحاطة بالعلوم التي تلقاها؛ حيث كان في فترة مبكرة من حياته يساهم في تقسيم الأموال، ويدلي برأيه في تحديد الأنصبة للوارثين، وفقا للفرائض الشرعية بدقة متناهية، خاصة في مجالس عمه الشيخ إسماعيل غالب الأبارة الذي رافقه في بعض أسفاره ونشاطاته الاجتماعية المعروفة، قارئا نهمًا للكتب ودواوين الشعر الصوفية التي كان يقرأها عمه آنذاك، من ذلك: أشعار الزبيري وخطابات الأستاذ نعمان والزعيم عبدالناصر، وكتب القومية العربية ومؤلفات جورجي زيدان، وغيرها من الكتب والإصدارات التي تقارع الاستبداد والاستعمار والكهنوت.

وقد كان كثير التأثر بها وبأشعار متداولة لشعراء شعبيين تحض على الثورة والتمرد على واقع الجمود والتخلف. وكان يبث روح الحماس بين أترابه بهذه الأفكار الثورية، مناديا بضرورة الخروج عن المألوف من قيم الخنوع المتوارثة، كثير الإشادة بثورات التحرر في مصر وغيرها من الأقطار، والتبشير بجيل قادم سيناضل للقضاء على التخلف، ويعمل على توحيد الجهود وبناء الأوطان، جيل متسلح بالعلم والإرادة.

اغتربَ في منتصف السبعينيات في المملكة العربية السعودية، مواصلا هوايته في القراءة والتثقيف الذاتي، ثم عاد إلى صنعاء، وإلى القرية، متنقلا بين أكثر من نشاط، وخلال هذه الفترة تأثر بثقافة اليسار وانتمى إلى تياره النشط يومها، حتى أصبح أحد رموزه الكبار لاحقا، ومثل مع بعض رفاقه شوكة الميزان، بوسطية واعتدال، في فترة يغلب عليها الحدة والتطرف الحزبي النزق، فقادَ مع بعض رفاقه العقلاء المفاوضات مع الحكومة في مطلع العام 1984م بحنكةٍ واقتدار، والتي افضت الى انضمام جميع منتسبي ما عرف آنذاك بالجبهة الوطنية في قضاء ريمة الى القوات المسلحة اليمنية.

وفي يوليو من نفس العام توجه الشّهيد على رأسِ لواء كامل من الجنود والضباط المنضمين للمؤسسة العسكرية، هو اللواء الرابع عروبة إلى العراق، للمشاركة في جيش العروبة ضد الفرس آنذاك.

وقد نالَ الشهيد مع قيادة اللواء الرابع عروبة العديد من النياشين والأوسمة الرفيعة وإعجاب القادة العسكريين في العراق، عادوا بعدها إلى اليمن في فبراير 1985م، تسلم الضابط الأبارة بعدهاقيادة أركان حرب اللواء الرابع عروبة، الى جانب قيادة قطاع الملاحيط "حجة"، وآنذاك عمل على محاربة ظاهرة التهريب المنظم التي كانت تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، مثل تهريب المشتقات النفطية من اليمن، أو ادخال كميات كبيرة من البضائع الواردة إلى اليمن دون استيفاء الرسوم الجمركية القانونية عليها في الجمرك المعروف بمنفذ حرض.

قال عنه الفريق الركن محمد علي المقدشي، وزير الدفاع السابق: "عرفت أحمد الأبارة منذ 1984م، وقد كان حينها أركان حرب كتيبة، وأنا قائد سرية، وذهبنا إلى العراق مع بعض، وكان قد شارك في بناء اللواء الرابع عروبة، وفي بناء القوات المسلحة، وهو أحد من أسسوا الجيش الوطني".

مع مطلع تسعينيات القرن الماضي نشط كثيرًا ضمن قيادات الحزب الاشتراكي اليمني فيما بين 90 إلى 94م، متطلعًا لمزيد من الديموقراطية والوعي والتنمية، فتولى منصب سكرتير ثاني منظمة الحزب الاشتراكي في محافظة ريمة، وكان ناشطا بارزا في الحزب.

وقد تكللت هذه المرحلة بحرب 94م، لينشط من جديد ضمن المؤتمر الشعبي العام، ثم العمل المجتمعي، وعُرف عنه السعي الدؤوب في خدمة كل من يطلب مساعدته من أي منطقة من مناطق اليمن، وكثيرا ما كان يتواصل مع الجهات الخدمية ذات العلاقة للتعاون في مساعدة العشرات ممن لهم معاملات مختلفة في مختلف الجهات من أجل إنجازها. وشغل في العام 2006م فما بعدها عضوية المجلس المحلي في محافظة ريمة، وكان أحد أبرز أعضاء المجلس. كما شغل عدة أنشطة اجتماعية وسياسية أخرى، مقارعا الفساد أينما ذهب.

وصفه الشاعر طه الجند:
يذكرني بأبطال الملاحم
وبزمرة الأحرار الكبار
لا يساوم ولا يهتم بالمال.
كما قال عنه الشاعر محمد إسماعيل الأبارة في إحدى قصائده:
لم يزل يهمي على المحل سهيلا
ما انثنى دفقا وما كلّ هطولا
سادر في الحب يلقي فيأه
حين ينثال على الناس ظليلا
لم يمت في لحنه الرعد ولم
يأل رغم الصمم الطاغي هديلا
وحده المثخن بالعشق وقد
قطع البغضُ على الكل السبيلا

في العام 2014م، وحين كانت فتنة الانقلاب الحوثي تطل بقرونها الشيطانية كان ممن أحس به واستشعر مخاطره، فأسس مكونا سياسيا جديدا اسمه: "التجمع الوطني للنضال والتنمية" مع مجموعة من زملائه وكبار الناشطين من مختلف محافظات الجمهورية، وظل رئيسا له حتى استشهاده، مواجهًا كهنة الإمامة الحوثية البغيضة في مختلف المحافل والمنتديات.

وفي العام 2015م وبعد رحلةٍ طويلةٍ من الكفاح والنضال السلمي والكتابة والتنظير اضطر أن يعود إلى الميدان العسكري ضمن كبار الضباط المؤسسين للجيش الوطني، فقاد اللواء 23 ميكا في منطقة العبر، حاشدا أبناء منطقته وغيرهم من أبناء اليمن للانضمام تحت قيادة هذا اللواء، جامعا بين التنظير والتطبيق في آنٍ واحد، وقد أحكم خطة الزحف نحو صنعاء، من أجل استعادة الدولة، ولكن..

رحم الله الشهيد البطل أحمد الأبارة الذي استشهد في 7 يوليو من العام 2015م، ومعه كوكبة من رفاقه الأحرار، وقد ثبت اسمه خالدا في سفر التاريخ، بقيمه الأصيلة، وأخلاقه النبيلة، ومواقفه البطولية الرائدة.

مت يا صديقــــــــي وأنا كل يوم والردى شربي وزادي
أنت في قبر وحيدٌ هادئٌ أنا في قبرين: جلدي وبـــلادي