مأرب.. رحلة إلى الدفء والكرم والأمل

لأول مرة تطأ قدماي أرض مأرب، تلك المحافظة العريقة التي ظلت ولا تزال محفورةً في وجدان التاريخ العربي، وها أنا اليوم أراها حقيقةً نابضةً بالحياة، بكل ما فيها من عبق التاريخ وجمال الحاضر واستشراف المستقبل، وما يميز أهلها من كرمٍ وحفاوةٍ تأسرك منذ اللحظة الأولى.
شعرت هناك أني بين أهلي وأسرتي، لا غربة ولا وحشة، بل دفء إنساني يملأ الأفق وابتسامات صادقة تروي ظمأ الروح.
مأرب جميلة كجمال أهلها، طيبة كطيبتهم. تجد الجمال بهيّاً مشرقاً في وجوه الناس، وفي أزقتها، وفي تفاصيلها الصغيرة التي تحكي لك أن للحياة هنا طعماً مختلفاً.
ولعل أعظم ما يبهرك هو إحساسك العميق بالأمن والأمان، الذي طالما افتقده كثيرون في بقاع أخرى، وأقولها بصدق: من لم يزر مأرب فقد فاته أن يعيش تجربة أمانٍ حقيقيةٍ نابضة.
ولا غرابة في ذلك، فمحافظة مأرب محفوظة برعاية الله أولاً، ثم بحكمة حاميها الشيخ سلطان العرادة – محافظ المحافظة، عضو مجلس القيادة الرئاسي – الذي استطاع مع السلطة المحلية أن يصنعوا نموذجاً فريداً في الاستقرار والبناء رغم كل التحديات.
ويأتي أيضاً دور رجال الجيش المخلصين أمثال رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن د / صغير بن عزيز، الذي لا يألو جهداً في خدمة الدولة وحماية قيمها الوطنية، وما رأيته من قوات الأمن الخاصة كان صورةً مشرقةً من دماثة الخلق، وحسن الاستقبال، والانضباط الذي يدعو للفخر.
ومع هذا، فإن مأرب – مثل أي ماردٍ ينهض من تحت ركام الحرب والصعوبات – ما تزال تحتاج إلى الكثير من الرعاية، إنها بحاجة إلى حدائق ومنتزهات عامة تليق بأهلها وزائريها، وتحتاج إلى إعادة تهيئة بعض الشوارع والطرقات داخل المدينة لتكون أكثر اتساعاً وجمالاً، وهو ما سيسهم أيضاً في تشغيل الأيدي العاملة وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
كما أن الرقابة الصارمة على قطاع النفط باتت ضرورةً مُلحّة، فما يعانيه السكان من الغش التجاري، وظهور السوق السوداء للمحروقات، يتطلب تدخلاً قوياً من قبل السلطة المحلية لكبح هذه الظواهر التي تسيء إلى صورة مأرب المشرقة.
ولا يفوتني هنا أن أعرّج على رمز من رموز حضارة مأرب: عرش بلقيس، المعلم التاريخي العالمي الذي يفترض أن يكون متاحاً لكل زائر، من المؤلم أن تُفرض رسوم دخول مرتفعة قد تعيق البعض من أبناء الشعب عن زيارته، وأرجو أن يُعاد النظر في ذلك، ليظل هذا المعلم شاهداً مفتوحاً على عظمة مأرب وتاريخها المجيد.
ختاماً... مأرب تستحق كل محبة، وكل دعم.
وإنني أغادرها وقلبي يملؤه العرفان والامتنان، ودعائي أن يبارك الله لأهل مأرب في أرضهم، وأمنهم، وأن يحقق أحلامهم في وطن يسوده الأمن والخير والرخاء والازدهار.