الإثنين 7 أبريل 2025 11:02 صـ 9 شوال 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

الصوفية الرافعة الثانية للهاشمية والتشيع (الحلقة الأولى)

الأحد 6 أبريل 2025 11:35 صـ 8 شوال 1446 هـ

تقوم الهاشمية الإمامية المتسلطة على المنطقة اليوم على ركائز أساسية متعددة؛ منها الفكرية القائمة على الفقه المغلوط والمجيَّر، ومنها التنظيمية التي تقوم على الفرق والجماعات الدينية العرقية والسلالية، سواء كانت شيعية أو سنية.

فمثلما كان التشيع الرافعة والركيزة الأساسية للهاشمية في الطائفة الشيعية، بكافة فروعها ومكوناتها وفرقها، كان كذلك التصوف في الجانب السني الرافعة الثانية والعمود الآخر للهاشمية بكافة أفكارها وتنظيماتها، عدا فرض فكرهم بقوة السلاح، فلا تختلف الصوفية إلا بطرقها السلمية، لكن هذه الفئة تستخدم الخرافة والتضليل وعدم الاستيثاق في فكرها وكتبها ومنقولاتها.

تمضي الصوفية في تعظيم الهاشمية وتغالي في محبة واتباع علي بن أبي طالب وبنيه –رضي الله عنهم- حد التأليه، وكذلك في القبوريات، ونسبة البطولات الخارقة وخوارق العادات لمشايخها وصولاً حد الشرك بالله.

المتصوفة الحقيقية، من حيث الزهد والتقشف والعبادة، قد تكون أفضل الفرق الدينية لولا شوائبها في الشركيات والقبوريات والكرامات والمغالاة والهرطقات والشعوذات والتمائم وغيرها، ومنهجنا في تناول هذه الطائفة ليس تناولاً عاماً بقدر ما نأخذ الجزئية الهاشمية فيها والتشيع لهم، وتدجين الشعوب لهذه الهاشمية التي تسلقت عليها الهاشمية العنصرية العسكرية الشيعية.

لقد عملت الصوفية على تمهيد الأرضية وتسويتها أمام البناء الهاشمي، وخاصة الشيعي، بترويض الشعوب الإسلامية وجعلها خاضعة وذات قابلية لتقبل الفكر الإمامي الهاشمي في التسيد على الأمة، وتعظيم هذه الشعوب للهاشمية حتى جعلتها جزءاً من الدين، وعدم اتباعه هو انعدام التدين، وبالتالي تسيد كل الروايات الهاشمية على الحقيقة، وإغلاق البحث والاجتهاد للبحث في هذه الحقيقة، ونزع صواعق مواجهتهم عبر التاريخ، وخاصة في اليمن.

إذ تنضح كتبهم المؤلفة في السير والفكر بهذه المغالاة والمحبة والتقديس من باب التدين، واعتبار الدين قائماً على ما يسمى (آل البيت) عند المسلمين، ويعتبرون محبتهم تقرباً إلى الله زلفى؛ لقرابتهم من النبي –صلى الله عليه وسلم- وتكاد كتب الحديث التي روت كل ما يمت بصلة إلى "آل البيت" متأثرة بهذا الجانب الفكري الصوفي.

فمثلاً من نتائج وصور هذا التدجين والتقديس للسلالة الإمامية أن يقف الأخ ضد أخيه المظلوم مع الإمامي الظالم الناهب في المناطق السنية، ويبرر للظالم الناهب القاتل ظلم أخيه.

فقد ذكر الأستاذ النعمان - بشكل عفوي- صورة من هذه الصور؛ كيف أن أباه وقف ضد عمه الثائر عبدالوهاب نعمان لصالح علي الوزير قائد جيش الإمام يحيى حميد الدين غازي تعز ومدمرها وناهبها، إذ يقول: "وصل عمي عبدالوهاب إلى تعز فاستدعاه [الوزير] واستدعى الكثير من العمال واعتقلهم جميعاً، وأباحوا بيوتهم ونهبوها، وأرسلوهم إلى السجن في صنعاء؛ عند الإمام يحيى، بحجة الادعاء أن هناك مؤامرة [ضد الوزير لاغتياله ]! وبقي والدي على علاقة بعلي الوزير. وأذكر أنه جلس فوق المسجد يكتب رسالة وأنا بجانبه، ومن عباراته قوله للسيد علي الوزير: "بلغنا ما دبره الظالمون الذين أحرقوا أنفسهم بما صنعوا ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين"!

كان والدي يبرر للوزير ما فعله معتقداً أنه صادق، وأن أخاه ظالم، وأنه يستحق هذا العقاب!

كان يرى أن الوزير ابن رسول الله، ومتدين وعادل، وينظر إليه نظرة تقديس.

وبعد أن اعتقل عمي عبدالوهاب اعتقلوا أيضاً بعض الأقارب، وجرى نهب كل ما يملك في بيته من أثاث وأمتعة".

رغم أن الشيخ عبدالوهاب نعمان استقبل علي الوزير في الحجرية وذبح 40 ثوراً إكراماً له، إلا أن كل هذا الكرم لم يجدِ نفعاً مع سلالي حاقد وخبيث اتسم بالغدر والبطش والنهب.

جرى سجن هذا الشيخ من عام 1927م إلى عام 1948؛ أي 21 عاماً، انتهى ذلك الاعتقال بإعدامه في سجن نافع بمحافظة حجة على يد الإمام أحمد يحيى حميد الدين.

لم يكن اعتقال ذلك الشيخ عن جرم ارتكبه، أو مؤامرة لتدبير اغتيال علي الوزير، كما تم تصويره وتبريره من قبل الوزير نفسه؛ بل كان بسبب أن الرجل من أهم رؤوس محافظة تعز حينها، يُخشى تزعمه البلاد والتفاف الناس حوله ويشكل خطورة على الإمامة كونها عمق السنة في اليمن، بعد رحيل الأتراك عن اليمن، وتسليم اليمن ليحيى حميد الدين.

يقول النعمان: "لما جاء الإمام ليقضي على كل الرؤوس التي كانت موجودة في تعز، وفي الحجرية، وفي العدين، منذ عهد الأتراك، استدعوا هؤلاء جميعاً إلى مركز اللواء في تعز، إلى نائب الإمام الذي كان علي الوزير.

استدعاهم إليه على أساس أن يتفاهم معهم حول الضرائب التي ستدفع من الأهالي، وفي طريقة توزيع الجيش، ليأخذ كل مسؤول مجموعة من الجيش معه، وأخيراً أشاع أنهم تآمروا لقتله، فألقى القبض عليهم وهم في البيوت في مركز لواء تعز (في مدينة تعز)، وكانوا كلهم وجوه البلد، وكبلهم بالقيود وأرسلهم إلى الإمام في صنعاء؛ على اعتبار أن هؤلاء يريدون أن يقوموا بانقلاب لاغتياله لكي يستولوا على البلاد مرة أخرى ويأتون بالأتراك، وأرسل بعد هذه العملية من يصادر كل ما في بيوتهم..".

لقد كان الإمام عند الرعية مقدساً لا يمكن اعتراض حكمه، أو سؤاله عما يفعل حتى إن كان مخطئاً "فلا يمكن أن يُسأل الإمام؛ لأنه فوق الشبهات وخليفة الله في الأرض، وخليفة الله لا بد أن يكون متصفاً بصفات الأصل، والله يقول: {لا يسأل عما يفعل}الأنبياء(23)، وتعتبر قلة أدب أو خروجاً عن المألوف، أن تسأل الإمام لماذا تصنع كذا؟!

إذا قلت لماذا؟ يقول لك لأن الإمام ينظر بنور الله، ولا يمكن أن يأخذ أحداً بدون سبب".

يضيف النعمان: كان أبي رجلاً متديناً، وله عقيدة في آل النبي، ويحبهم، وهذه عقيدة منتشرة في اليمن؛ أي حب من ينتسبون إلى رسول الله.

كان أبي يلازم الوزير دائماً في نومه وفي يقظته، ويظل ينظر إلى وجهه كأنما يرى أن النظر إلى وجهه عبادة. وذات يوم، وأنا صغير السن، ربما في سن الثامنة كما أذكر، مرض والدي من الحمى، وانقطع عن السيد علي الوزير، فقال لي والدي: إذهب إلى السيد علي الوزير وقل له يكتب لي رقية، والرقية معروفة يستشفي بها المريض وتسمى التميمة، ويسمونها في اليمن حرزاً؛ لأنها تحرز الشخص من الشياطين ومن الأمراض!

كان أبي يرى أن الوزير ابن رسول الله، ومتديناً وعادلاً، وينظر إليه نظرة تقديس.

كان هذا الأمر إرثاً صوفياً بامتياز، نتيجة تربية روحية جيلاً بعد جيل للصوفية وللفقه المغلوط الذي دجن الشعوب لتلك الفئة من الناس وتقديسهم، كما سنورد كثيراً من الشواهد التاريخية الصوفية.

.... يتبع