اللواء الشدادي.. الشهيد ابن الشهيد

م تقف قبيلة عربيّة موقفا صَارمًا من الفرس قديما كما وقفت مذحج، فأغلبية جيش القادسية كان أغلبية يمانية مذحجية، ولا يزال أبطال القادسية مضرب المثل في الفداء والاستبسال إلى اليوم.
كان قائد الميمنة في هذه المعاركة الفاصلة جرير بن عبدالله البجلي اليماني وقائد الميسرة قيس بن المكشوح المرادي اليماني، أما من قتل رستم قائد جيش الفرس عمرو بن معدي كرب الزبيدي، ويقال: قيس بن المكشوح المرادي، وأن الذي قتل الجالينوس من بعده شهاب بن الحصين الحارثي، وجميعهم من مذحج.
ولا تزال المسيرة المذحجية اليمانية متواصلة إلى اليوم، وبين يدينا هنا سيفٌ مذحجي مسلول وصارم ومهند إنه القائد العسكري الهمام الشهيد اللواء عبدالرب الشدادي.
عبدالرب قاسم أحمد عبدربه الشدادي المولود في العام 1963م بقرية الغول، مديرية العبدية، محافظة مارب، من أسرة جمهورية خالصة، والجمهورية حديث الناس وهمهم واهتمامهم الأول آنذاك.
التحقت هذه الأسرة بسرب الجمهورية من أول يوم، ضد عصابة الكهنوت الإمامي، وقدمت عددًا من الشهداء والجرحى والمصابين، منهم والد الشهيد الشدادي نفسه الذي استشهد في كمين غادر، نصبه الإماميون لكوكبة من الأحرار الجمهوريين في العام 1972م.
التحق بالكتاب "المعلامة" صغيرا، وفيه تعلم ما يتعلمه طلبة الكتاتيب آنذاك، من مبادئ العلوم، وتحت كنف أخيه سالم قاسم أحمد الشدادي نشأ يتيما، متحملا رعاية أسرته الصغيرة، متشربا قيم البداوة بأصالتها ونخوتها ورجولتها، حتى أتيحت له فرصة الالتحاق بالجيش اليمني، في معسكر خالد بن الوليد بتعز في العام 1981م، ولعله قد أخذ من خالد حظا وافرًا في الفروسية والبطولة والفداء.
كان مثلا في الجد والاجتهاد والمثابرة وتنفيذ توجيهات قيادته بلا تلكؤ، طموحا متطلعا من لحظاته الأولى؛ فالتحق لأول مرة بدورة في سلاح المدرعات، وبعد عام نال دورة في سلاح المشاة وهي الدورة التي منحته صف ضابط، ومن هنا زاد تطلعه أكثر ونما طموحه أكثر.
في عام 1983 تزوج “عبدالرب الشدادي” من أم أولاده وأنجبت له تسعة من الأبناء، أربعة من الذكور وخمس من الإناث.
وخلال التحاقه بهذا المعسكر خاض صراعاتٍ حادة مع المهربين في منفذ المخا، وتوقف نهائيا عن الجندية، حتى كان العام 1990م، الذي التحق فيه بالقوات المسلحة مرة أخرى، في الفرقة الأولى مدرع، وكان قائد الفرقة نفسه قد سمع به، وسمع عن مواقفه الوطنية الصارمة ضد المهربين، فالتحقَ بها وواصل تعليمه النظامي العام حتى تخرج من الثانوية العامة.
وكان قدره أن ينضم هذه المرة إلى مدرسة المشاة، ليلتحق بعدها بدورة خاصة في تأهيل الضباط، تخرج منها بتقدير عام ممتاز، وبرتبة ملازم ثانٍ، ليتم ضمه مع بقية الضباط الخريجين من مدرسة المشاة على الدفعة السابعة من خريجي الكلية الحربية، وقد تم تعيينه ركن تسليح في الكتيبة الثالثة باللواء الأول مدرع.
في العام 1993م تمت ترقيته إلى رتبة نقيب، وتعيينه كاتبًا ماليًا للواء 310 مدرع في محافظة عمران، والذي كان يقوده العميد الركن الشهيد حميد القشيبي.
وفي العام 1998م التحق بمعهد الثلايا في مدينة عدن لدراسة دورة قيادة ألوية، ليتخرج بعد عام بدرجة امتياز، ويُرقى إلى رتبة رائد.
ورغم كونه مسؤولا ماليا إلا أنه كان أكثر ميلا للعمل الميداني، فقد التحق بأكثر من جبهة وطنية قتالية، بشجاعة واستبسال، ولعل أهم معاركه الوطنية قبل معاركه الأخيرة بمارب هي مشاركته فيما عرف بالحروب الست في صعدة ضد جماعة الحوثي، ضمن مقاتلي الفرقة الأولى مدرع آنذاك.
وواصل الشدادي طموحه الكبير في الجندية وفي طلب العلم معا، بهمة الرجال وعزيمة الأبطال، حيث حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من كلية التربية بعمران، في العام 2004م. وهو العام الذي التحق فيه بكلية القيادة والأركان، لينال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية بدرجة جيد جداً، أواخر العام 2005م، ويُرقى بعدها إلى رتبة مقدم مع حمل هيئة الركن،
وأثناء تخرجه مباشرة تم تعيينه قائداً للكتيبة الثالثة من اللواء 310 مدرع، وظل في هذا المنصب من عام 2005م إلى عام 2008م، شارك خلالها في الحرب الثالثة مع كتيبته في صعدة حتى أصيب في عام 2007م، وانتقل على إثرها للعلاج في جمهورية مصر العربية، حتى كان العام 2008م، وفيه تم تعيينه رئيسًا لعمليات لواء المجد، ليتم بعد ذلك ترقيته إلى رتبة عقيد، وتعيينه أركان حرب اللواء 72 حرس جمهوري بمنطقة حرف سفيان بمحافظة عمران.
وفي العام 2011م حصل على رتبة عقيد، وتم تعيينه أركان حرب اللواء 72 حرس جمهوري.
في العام 2012م تمت ترقيته إلى رتبة عميد، وتم تعيينه قائدًا للواء 312 مدرع بمديرية صرواح محافظة مأرب.
في مطلع العام 2015م اتجهت جحافل الحوثيين باتجاه مارب، حاشدة فلولها لاقتحام المدينة والسيطرة عليها، لكن رجالات مارب كانوا لها بالمرصاد، فقد استطاعوا صدهم عن اقتحام المدينة، وتشكل ما عرف بمطارح مارب لاحقا، وأعلن اللواء سلطان العرادة النفير العام، فكان نعم القائد البطل مع رفاقه الأحرار من أبناء مارب، وكل قبائل اليمن.
وكان الشدادي ضمن الضباط الأوفياء الذي اختاروا الانحياز للوطن، وأسس مع بعض رفاقه النواة الأولى للمقاومة الوطنية في مارب، متقدما الصفوف الأمامية في مختلف الجبهات، بشجاعة نادرة، وقد جرح أثناء قيادته لإحدى المعارك، وواصل بطولاته وهو جريح، رافضا القيادة من غرفة عمليات خاصة في مؤخرة الجيش، فكان القدوة والملهم لأفراده وأتباعه لا في الجيش فقط، ولكن لدى القبائل أيضا.
وفي هذه الأثناء، وتحديدا في أبريل 2015م، أصدر الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، قرارًا بتعيين عبدالرب الشدادي، قائدًا للمنطقة العسكرية الثالثة، وقائدًا للواء 13 مشاة، وهنا كانت انطلاقته الكبرى في الدفاع والاستبسال.
وحين زادت ضراوة المعارك وكثف الحوثيون من هجماتهم على مارب في سبتمبر من العام 2016م انطلق البطل الشهيد انطلاقة السهم من القوس مع بعض رفاقه إلى جبهة صرواح، يقود الجموع ويوجههم، بهمة ونشاط، ليلا ونهارا، رافضا العودة إلى منزله، وحين اقترح عليه البعض أخذ استراحة مقاتل لفترة قصيرة، يلملم فيها جراحه، ويعود للجبهة من جديد، أبى إلا أن يستمر في المعركة مع أفراده وضباطه، وقد أقسم يمينا صارمة أنه لن يعود إلى المدينة إلا بعد تحرير صرواح أو الشهادة من أجل الدين والوطن.
لا عجب، فهو ابن مارب الذي يعرف تماما ماذا تعني صرواح من الناحية العسكرية، وما ذا تعني صرواح من الناحية التاريخية أيضا. صرواح العاصمة الحميرية، صرواح حيث يرقد الشهيد البطل علي عبدالمغني رحمه الله.
أصيب الشهيد الشدادي أكثر من عشرين إصابة في أكثر من عشرين معركة قادها وشارك فيها، حتى كانت نهايته المشرفة شهيدا في 7 أكتوبر 2016م في جبهة صرواح، باستهداف صاروخي حوثي، لينضم إلى قافلة العظماء من الشهداء الأحرار.