عن مقولتي وتشيخوف والأعراب الجدد.!

كتبت قبل فترة عبارة رأيت أنها تستحق أن يحتفى بها وهي: " لا تحدث الجائع عن الجمال فالجائع يرى البدر رغيفا والهلال موزة".
وبعد أن نشرتها سألني البعض: من القائل ؟
فقلت:
_ أنا قلتها.
وحينها صمتوا تماما.
وقلت في نفسي:
_ لو أنني خبطت لهم اسما من تلك الأسماء الشهيرة اللامعة لصار لمقولتي شنة ورنة ولنظروا لها نظرتهم إلى كومة نقود من فئة 100 دولار.!
لو قلت لهم مثلا مثلا يعني: هذه المقولة قالها ديستوفيسكي أو كونفشيوس أو ابن خلدون أو نجيب محفوظ أو غاندي أو سارتر لاعتبروها من روائع الحكمة البشرية، ومن خلاصات المعرفة الإنسانية.!
لكن لأنها مقولة للعبدلله فقد طنشوها تطنيشة بنت اللذين.!
ثم مضى علي ردحا من هذا الزمن وفجأة رأيت مقولتي في إحدى الصفحات الشهيرة وقد نسبت إلى أنطون تشيخوف، وقد نالت الكثير من التعليقات والتفاعل، وفكرت أعلق وأقول لهم: يا ناس أنا صاحب المقولة.
لكن من سيصدقني وأنا الشخص المغمور؟!
حتى لو حلفت لهم الأيمان المغلظة فلن يصدقوني.!
ومن أنا بجوار تشيخوف؟!
واللي زاد وغطى أن بعضهم صمم لها إطارا ووضع صورة تشيخوف بجوارها، كأنه يريد أن يقهرني أكثر ويتحداني، وأكاد أتخيله وهو يخرج لي لسانه ساخرا مني.!
المهم تركتهم يحتفلون بمقولتي التي صارت بقدرة قادرة مقولة تشيخوفية روسية أبا عن جد، ومضيت وأنا في حيرة ولا حيرة قروي يمني وصل إلى الصين فجأة.!
لأننا في زمن عجيب وغريب المقاييس صارت مشقلبة والمعايير مقلوبة على رأسها "زرع بصل " فليس المهم ما هو القول إنما الأهم من قال هذا القول.!
فقيمة ما ينشر من أهمية ومكانة صاحبه وكاتبه.!
وهذا برأيي ما دفع بالآلاف المؤلفة من الجماهير الغفيرة في مواقع التواصل الاجتماعي إلى تأليف أي عبارات وتخاريف ونسبتها إلى أي مشهور من المشاهير علشان يكتب لها الانتشار وتمشي حالها في السوق ويتفاعل معها الناس بزغمة لايكات وشوية تعليقات.!
وهذا برأيي _ أنا المغمور _ خطأ، إذ أننا يجب أن نقدر الحكمة التي هي " ضالة المؤمن" بغض النظر عن قائلها، سواء كان فلان الفلاني من المشهورين أو علاني العلاني من المغمورين.!
ما يحدث من هبد وعصد في مواقع التواصل يذكرني بقصة من تراثنا المليئ بالجواهر والعبر.
يحكى أن رجلا رأى أعرابيا عند بئر ماء، فوجد الرجل أن حمل البعير ثقيل جدا!
فدفعه الفضول وحب الاستطلاع كأن في داخله روح صحفي لكنه جاء قبل زمن الصحافة.!
المهم يا سادة يا كرام سأل الأعرابى عن حمولة الجمل:
_ ماذا يحمل بعيرك ؟!
فقال الأعرابى: كيس يحتوى على المؤونة، يقابله كيس يحتوى على رمال ليتوازن الحمل!
فقال الرجل للإعرابى:
_ لماذا لم تقسم كيس المؤونة نصفين وتضع كل نصف فى جهة لتحفظ التوازن وتخفف الحمل على البعير؟!
فقال الأعرابى:
_ صدقت.
وفعل ما أشار إليه ثم سأله:
هل أنت شيخ قبيلة أم شيخ دين؟
قال: لا هذا ولا ذاك ! بل رجل من عامة الناس .
فقال الأعرابى قبحك الله!
لا هذا ولا ذاك ثم تشير علي؟!
ثم أعاد الحمولة كما كانت.!
الله يكون بعون الجمل بس.!
واليوم نجد الألوف المؤلفة من الأعراب الجدد ولو من غير جمل، إلا أنهم بتفكيرهم يؤكدون أنهم من الأعراب الأقحاح، ومش بعيد يكون الكثير من سلالة ذلك الإعرابي الأول.!
وهكذا هي الأغلبية الكاسحة من أبناء جلدتنا في بلاد العرب أوطاني لا يهمهم الأفكار وإن كانت صائبة بقدر ما يهمهم الأشخاص والألقاب المصدرة لتلك الأفكار وإن كانت خاطئة.!
وربنا يخارج بلاد العرب من الأعراب الجدد.!