الشاعر عثمان أبوماهر.. رجل الحرف والبندقية

الشاعر عثمان سيف قاسم المخلافي، أبو ماهر، المولود في تعز مطلع أربعينيات القرن الماضي، تلقى تعليمه الأولي في كتاتيب قريته آنذاك، عمل في بداية نشأته بالزراعة والتجارة بين عدن وتعز، ثم توجه إلى المملكة العربية السعودية، وفي مكة المكرمة درس علوم الدين في مدرسة الفلاح، ليعود إلى اليمن في العام 62م، ويشارك في ثورة 26 سبتمبر، مع رفاقه وأصدقائه، وخاصّة رفاق البعث الذين تأثر بهم.
وقد لعب دورا بطوليا رائدا في مطاردة فلول الإمام البدر في جبال حجة، حتى منطقة الخوبة، وتطويق نائب البدر الذي نصبه مكانه حتى استسلم، ثم عاد إلى منطقة حرض في تهامة، وهناك تكونت القيادة العسكرية الثورية الجديدة، تعيّن فيها نائبًا للقائد عبدالكريم الحوري، وقائدا للحرس الوطني. وحين قامت ثورة 14 أكتوبر 63 في جنوب الوطن لبى داعي النداء إلى عدن، ضد المحتل البريطاني، وقاتل جنبا إلى جنب مع رفاقه في الجنوب، ومع صديقه المناضل الشهيد غالب راجح لبوزة، والذي قال فيه بعد أن استشهد:
يا روحه خبريني أين موقعه؟
دار الخلود أجابت: جنة العظماءِ
في العام 1965م التحق بالمخابرات العامة للدولة، وفي نفس الوقت عمل مسؤولا عن إمدادات الجبهة القومية، سافر بعدها إلى موسكو لدراسة المدرعات حتى العام 1969م، وحين عاد اليمن تم تعيينه أركان حرب لواء العروبة والذي لم يدم فيه طويلا.
وضمن صراعات اليسار واليمين آنذاك دخل سجن القلعة بصنعاء، وبقي فيه لمدة ثلاث سنوات بتهمة الشيوعية، ومن بعدها اشتغل بالعمل المدني، في الثقافة والإعلام وفي الخدمة المدنية، كما تعين ملحقا إعلاميا في السفارة اليمنية في الرياض في العام 1988م، ثم مستشارًا لوزير الإعلام، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى وفاته في العام 2013م رحمه الله.
عثمان أبو ماهر شاعر سبتمبري وغنائي من الزمن الجميل.
تكاد أجيال اليوم أن تنساه على أهميته الثورية، وأهميته الفنية الشاعرية، وعلى الرغم من أن كلماته التي غناها أيوب طارش تكاد تمثل لنا وجبة يومية في الإذاعات المحلية والقنوات الفضائية، خاصة أغنية:
أرضي أنا يا ابتسام الحبِّ في كل جيل
يا أرض نشوان يا تاريخ شعبي الأصيل
تحية الحُبّ تهديها تلال الدليل
وبنُّ وادي بني حمَّاد عذْبَ الجنى
وله أيضا “معينة الزرّاع”، “البالة”، “شني المطر يا سحابة”، “وا زخم”، وغيرها. وأستطيع القول أيضا إن معينة الزراع هي أيضا معينة الكتّاب.
له ديوان شعر، اسمه "النغم الثائر" صدر في العام 1977م. وله أكثر من رواية أبرزها "هيجة ما يدخلها حطاب"، تدور أحداثها حول أحداث النضال في ثورة 26 سبتمبر، وله روايات وقصص أخرى، لم تر النور بعد، كما له قصائد غنائية ووطنية رائعة نشرت لاحقا.
عثمان أبو ماهر من جيل الأحرار الوطنيين الذين انتموا لتربة أرضهم، ونهلوا من معين تاريخهم وحضارتهم، ودفعوا الغالي والنفيس في سبيل ذلك، بروح وطنية خالصة وصادقة، بدون مقابل، هي اليوم مضرب المثل في الصدق والتفاني، فمثلوا بهذا العطاء المتدفق نهرا يروي ظمأ الوجدان الوطني منذ عقود، وستظل أعماله خالدة أبد الدهر.
إنّ الوجدان الوطني الذي صنعه الراحل الثائر المناضل عثمان أبو ماهر من خلال قصائده الشعرية هو زيت وقودنا اليوم، خاصة وقد غاص في تاريخ اليمن، مستقرئا أمجادها وحضارتها، في أغلب قصائده التي غنها الفنان أيوب طارش، مثل:
شني المطر يا سحابة فوق خضر الحقول
قولي لمارب متى سده يضم الـسيول؟
السد والمجد، المعبد والعرش، أيلول والوطن، بلقيس وأروى، الحقول والسيول، ثنائيات شعرية بديعة نلمحُها في إبداعات شاعرنا الكبير، في متلازمة نفسية لا تنفك عنه، وهي إشارة واضحة لتماهيه في تربة الوطن واندماجه بروحه، في صورة نادرة من صور الوفاء تجاه الوطن.
وفي صورة من صور التحدي والاستبسال والفداء، يخاطب الشاعر وطنه مخاطبة مباشرة:
يميناً بمجدك يا موطني
سأمضي على الدرب لا أنحني
شعاري الفداء والوفا والتقى
أنا الثائر الحر رمز النضال
شربت المنايا كشرب الزلال
وفي نداء مباشر يخاطب الشاعر ذاته الوطنية بأرق إحساس، وأندى شعور، زاد هذه السمفونية جمالا ودلالا لحن وغناء أيوب طارش:
يا نسيمًا عابقاً كالزهر
يا جلال الحق صوت القدر
يا سطورًا من دماء الشهداء
يا نشيدًا في قلوب الشرفاء
أما عن واحدية الوطن شمالا وجنوبا فيجسده في هذه الغنائية الرائعة على لسان أيوب طارش:
شلال وادينا شل العقول
وشلَ لابين زغاريد الغيول
وحدة بلادي فغني يا حقول
غني لها عانقيها يا سبول
غنيت انا رأس عيبان الصمود
للأرض للشعب وللوحدة الخلود
وابصرت ردفان يحلف ما يعود
لا الشعب شعبين ولا نقبل حدود
إنها واحدية الوطن، واحدية الروح، واحدية الأرض، تجلت في إبداعات شاعرنا الكبير.
ولأن أيلول هو ذاته، وهو روحه التي ارتبط بها، وبذل من أجلها عصارة شبابه، نضالا في الميدان، وفكرا في الثقافة والإعلام، فهو يخاطبه قارنا إياه بردفان في الجنوب:
سنحمل أيلول فوق الرؤوس
ونعطيه أكبادنا والنفوس
يمانون أرواحنا ظله
بيوم الهجير وحر الشموس
أصرواح يا قصة الخالدين
ويا صنو ردفان عبر السنين
عصارة أيامنا لم تزل
منارًا لوحدتنا أجملا
إن الشاعر المثقف يعي تماما ماذا يعني له أيلول/ سبتمبر، وماذا تعني الإمامة بكهنوتها وظلامها وعنصريتها البغيضة التي ساهم في سحق طغيانها وجبروتها.
وقفت أصرخ من علياك يا نقمُ أبشر الشعب حتى يخفقَ العلمُ
كيف لا وزئيري كان عاصفة دكت عروشا ومنها قد هوى الصنمُ
اللحن والحقل وشبابة الساقية
قليلون أولئك الشعراء الذين أجادوا فنية الالتحام بالأرض والتغني بالحقول والتماهي بين ذرات ترابها، ومن هؤلاء الشعراء الكبار عبدالله عبدالوهاب نعمان، مطهر الإرياني، عثمان أبو ماهر، وأيضا الشاعر محمد إسماعيل الأبارة، حتى ليكاد القارئ لا يفرق بين روح الشاعر وروح المكان، وهي حالة نفسية تعكس المزاج النفسي للشاعر، كما تعكس حب الوطن وصدق الانتماء. يقول:
شبابة الساقية في ظل وادي بنا
هناك أعطت تراب الحب خلي وأنا
والبن والزرع والدردوش قد ضمنا
وأصبح الحب في دنيا المحبة لنا
يا حب حبي زراعة
مدوا الأيادي جماعة
هبت رياح المواسم
محلاك ماحلى المباسم
زرع الشجر يا أهل لاعة
من الجَند لا جُماعة
يا ابن الجبال والتهايم
أفديك والخير دايم
أفدي جهودك وساقي زرع وادي بناك
هواك أهواه بالله ضمني في هواك
أخيرا..
إلى المجد هيا بعزم الأسود
نشيد الرخاء بأرض السدود
حملنا الأمانة قدنا النضال
بشعب أبى أراد الخلود
وقفنا على قمم شامخات
جمعنا الصفوف نبذنا الشتات
سنمضي بجد بعزم الأباة
فنحن الحماة ونحن البناة