الخميس 6 مارس 2025 12:48 مـ 7 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

صدقة بني هاشم بين التحريم والنهب (2-2)

الخميس 6 مارس 2025 02:05 صـ 7 رمضان 1446 هـ

قال الإمام الرسي: "غير أن آل بيت رسول الله لا يرزقون من الصدقات ولا من الأعشار، وغيرهم يرزق منها" ، والحديث السابق يدحض قوله، وقد رأيناه يقتل اليمنيين ليجبي منهم الأعشار ويصادر أموالهم وهم مسلمون، غنيمة له ولمرتزقته، وأول قرية أو موضع أو بلد يطأها أول ما يقوم به هو فرض الأعشار عليهم ويصرف منها على نفسه وقرابته وجيشه، فكيف لا يحل لهم الحلال فيلجأون إلى أعظم الحرام وهو النهب والحرابة والسرقة والاغتصاب؟!
فهل كان اليمنيون يقاتلون الرسي ولا يستسلمون له إلا لأنه جاء يجبي أموالهم وأعشارهم ويستولي عليها، والمال عند الإنسان دونه القتال والرؤوس، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد" ، وهي من الضرورات الخمس للإنسانية والتي حفظها الإسلام للناس وأكد حرمتها والدفاع عنها وصونها بشتى الوسائل.

لقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل –رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن من أخذ كرائم أموال اليمنيين، وأمره أن يعدل عن ذلك إلى غيرها من عامة الأموال، فقال له، ضمن وصايا كثيرة: ".. فَإِيَّاكَ وكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
قال الإمام الشوكاني: "ولكثرة أكلة الزكاة من آل هاشم في بلاد اليمن، خصوصاً أرباب الرياسة، قام بعض العلماء منهم في الذب عنهم وتحليل ما حرم الله عليهم مقاماً لا يرضاه الله ولا نقاد العلماء، فألف في ذلك رسالة هي في الحقيقة كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاء لم يجده شيئاً، وصار يتسلى بها في أرباب النباهة منهم. وقد يتعلل بعضهم بما قاله البعض منهم: إن أرض اليمن خراجية، وهو لا يشعر أن هذه المقالة مع كونها من أبطل الباطلات ليست مما يجوز التقليد فيه على مقتضى أصولهم - فالله المستعان - ما أسرع الناس إلى متابعة الهوى وإن خالف ما هو معلوم من الشريعة المطهرة".

اعتبر الرسي، والإماميون من بعده، أن كل الأراضي التي لا تخضع لهم وتظل تقاوم مشروعهم هي أرض بغي أيضاً، ومن ثم عند هزيمة أهلها تعتبر أرضاً خراجية يجوز نهبها واستحلال أموالها ونسائها ودمارها وخرابها، ولذلك نظّروا لها التنظيرات المختلفة للقتال والنهب والسيطرة المالية، دون التفرقة بين غنائم الكفار وغنائم البغاة من المسلمين، وأسقطوا غنيمة الكفار على غنيمة البغاة من المسلمين، مع أنهم مسلمون مسالمون معتدى عليهم في أرضهم.

وجاء ابن حمزة فاستحل كل شيء؛ النفس والدماء والديار والأموال والزروع، وسئل حين سئل عن ذلك، قال: "قلنا: أولئك بغاة، وذلك اجتهاده - عليه السلام - فيهم، وأهل عصرنا هذا فساق متهتكون ظالمون، هذه أسماؤهم هي حادثة لحدوث معانيها، كما حدث اسم الفساق في زمن واصل بن عطاء ولها أحكامٌ مخصوصة. منها: جواز أخذ الأموال، وهدم الديار، وخراب الزرائع، وقطع الأشجار".

ولذلك رد عليهم الإمام الشوكاني، الذي ينقمون عليه اليوم لمجابهته إياهم فكراً وفقهاً، بالقول: "وأما حرب بغاة المسلمين، فقد وردت الأدلة الصحيحة بعصمة أموالهم بكلنة الإسلام والقيام بأركانه، فلا يحل من أموالهم إلا ما دل الدليل الناقل عن تلك العصمة عليه، فمن جاء به صافياً عن شوب الكدر فبها ونعمت، ومن عجز عن ذلك وقف حيث أوقفه الله وكف يده ولسانه وقلمه عن الكلام فيما ليس من شأنه ولا أذن الله له به".
فكيف تحرم عليهم الصدقة وهم يأخذونها غصباً ونهباً في كل موطن؟
لم يكتفوا بالخمس بل نهبوا كافة أموال خصومهم وغير خصومهم واستحلوها، خاصة في اليمن الأسفل!

وقد طالب المؤرخ والفقيه يحيى بن الحسين بن القاسم، وهو حفيد الإمام القاسم بن محمد، برفع المظالم عن اليمن الأسفل، التي جعلت مطالبها في الزكاة فوق النصف، بالقول: "وأن المطالب في اليمن الأسفل قد زادت وكثرت، مع الطوارئ الزائدة، وعدم التوقف على الحدود الشرعية، بحيث أخبرني بعض أهل تلك الجهة: أن الذي يصير إلى الدولة فوق النصف، وهذا أمر عظيم غير معروف في السابقين الأولين في كلامٍ هذا محصوله، ولولا طلب المشورة ما كنت أذكره لما في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

بل إن فخر الدين عبدالله بن عامر بن عم الإمام القاسم (ت سنة 1061هـ)، أفتى بنهب كل من خالف الإمامة وعامة الناس، "وكان يقول: ما أخذ من الناس من المطالب من العوام حلال؛ لأن أكثرهم لا يصلون وفساق ويسرقون، وهذا منه قول غير صحيح؛ لأن ذلك الجاري لا يوجب تحليل أموال الناس".
ولذلك ظهرت من الإمامة عبر التاريخ مطالب وفروض جائرة على أموال الناس حتى أرهقوا وأفلسوا وفشت فيهم المجاعات والأوبئة وهلك معظم الناس في اليمن في عهدهم.

ولقد كان يفرض الإمام الإتاوات على أهل اليمن الأسفل والزكوات المضاعفة بغض النظر هل يوجد رخاء ومحصول أم لا، ومن ذلك ما فرضه من أنواع الإتاوات والزكوات، ولعلَّ أبرز مثال على زيادة الضرائب وبمسميات مختلفة ما ذكره يحيى بن الحسين في أحداث سنة (1085ه‍/1674م) بأن الضرائب المفروضة على اليمن الأسفل من غير الزكاة، وزكاة الفطر قد تضاعفت منها: "مطلبة التتن لمن شربه أو لم يشربه، مطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصل، ومنها مطلبة الرباح، ومنها مطلبة البارود والرصاص، ومنها مطلبة سفرة الوالي، ومنها مطلبة دار الضرب، ومنها ضيفة العيدين والمعونة … ولم يكن في اليمن الأعلى من هذه المطالب، إلاَّ مطلبة ضيفة العيدين والمعونة".

وكانت هذه المطالب مما فرضها محمد بن الحسن بن القاسم برضى الإمام المتوكل إسماعيل على اليمن الأسفل، ولما توفي محمد بن الحسن وقبض الإمام المتوكل البلاد التي كانت تحت يده، خفف المتوكل بعض هذه المطالب. وعمل المتوكل على تخفيف هذه المطالب وأسقط مطلب "سبار الولاة، وزائد الريع في الزكاة، وأمر بزكاة النصاب في الأنعام...وترك ما كان يأخذ محمد بن الحسن على الرؤوس، وأسقط دراهم الصلاة –جزي خيراً- إلا أنها لحقت الرعايا من جهة أخرى، وذلك جور العمال، واستقطاع البلاد بخراج من المال فتضاعف ذلك غير ما كان من مطالب محمد بن الحسن".

يذكر أحد قادة ثورة 26 سبتمبر، وهو علي الحوري، وكذلك عبدالله جزيلان، أن هذه المطالب ما تزال إلى عهدهم قبل اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ويقول: "كان المواطن يعاني من الطواف والمسوح، ويقومون بفرق كفايتهم (ذباحة، قات، غرامة مكلفة)، وبعد الفراغ من طواف الأموال كانوا يفرضون أجورهم على المواطنين، ومن لم يكن بمقدوره تسليم ما طلب منه كانوا يفرضون عليه تقديم نصف المحصول من الغلة، أو ربعها، أو أكثر من ذلك، تبعاً للقيمة المطلوبة منه، أو القيمة إلى صندوق الدولة، ويأخذ سنداً رسمياً بذلك. وإذا تظلم يقال له: قد تأسست باسم ابدال؛ سواء زرعت البلاد أم لا!

ويأتي مرة أخرى مرشد للصلاة ويخرج من العزلة، بعد أخذ أجرته وغرامته، فكان المواطن يسأل المرشد: كم أركان الصلاة؟ فيجيبه الأخير: "ستة بقش"!!

وبعدها يصل مأمور الرباح ليتسلم أجوره، وكذلك مأمور الزواج لتسلم كفايته وأجرته بعد أن يقوم بإجبار البنين والبنات على الزواج. ثم يصل مأمور يقرر عدد أنفس الفطرة ويأخذ أجرته، وكذلك مأمور البقر والضأن والماعز والإبل، ومأمور زكاة الباطن، وكل هؤلاء يأخذون الأجرة والكفاية، وكانوا يرسلون من أربعة إلى خمسة جنود من العامل [الوالي] والحاكم ومدير المركز وأمير المفرزة لشكوى مواطن واحد ولجلبه"!

كانت مطالب السبار عند الأئمة للجيش من أعظم التكاليف التي ترهق المواطنين وتفلسهم، وهي أن يقوم المواطنون بخدمة العسكر وإطعامهم على حساب أولادهم، وكانت مدة إقامتهم وخاصة إن طالت تؤدي إلى إفلاس الناس ومن لم يستطع إطعامهم وعمل السبار لهم يتم حبسه، وهذه من أعظم المظالم على الناس في اليمن الأسفل.

حصل أن قام محمد بن الحسن بزيادة عمل هذا السبار على الناس فأرسل إليه الإمام المؤيد رسالة بتركها واعتبارها من غير سنة المصطفى، وذلك في رسالة مطولة بها وبعدد من المظالم الأخرى( ) كالزيادة في مقادير الزكاة، غير أن الإمام المتوكل إسماعيل أعادها أثناء توليه الإمامة، وكذلك قاسم الناس "نصف أموالهم"( ) من باب الزكاة.
ويرى يحيى بن الحسين بأنه حتى وإن كان اليمن الأسفل كثير الخيرات والمحصولات بالنظر إلى اليمن الأعلى، فإن الواجب الرفق والعدل، ولا نزيد على الطين بله، فكان على سبيل المثال علي بن الإمام المتوكل قد أرخى العنان لأصحابه، "يفعل كل منهم ما أراد في جهاته، ويحبسون من شاؤوا، ويعملون ما أرادوا".

ومن كثرة المطالب على أهالي تعز، وكذلك من طلبات وضرر سماسر الأئمة فيها "واشتد الضرر بكثير من أهل مدينة تعز من أهل السوق والسماسر من الخبازين خرجوا ممن تعز بأهلهم وتركوا أعمالهم لأنه صار أصحاب علي يستدينون منهم ولا يسلمون لهم القيمة بل يمطلونهم".