الخميس 6 مارس 2025 01:13 مـ 7 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

جنازة نصر الله مقدمة لوداع عصر مضطرب في اليمن

الأربعاء 5 مارس 2025 04:41 مـ 6 رمضان 1446 هـ

شكّلت وفاة نصر الله نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي في عدد من الساحات، ومنها اليمن، وبالذات لدى جماعة الحوثي. البلد المتورط بالفعل في الصراع الداخلي و الخارجي، و يحظى بمستوى عال من عدم الاستقرار السياسي.

ترك نصر الله، وهو شخصية رئيسية في السياسة اليمنية، فراغاً سرعان ما أصبح بؤرة صراع على السلطة بين مختلف الفصائل التي تتنافس على السيطرة. شغل نصر الله موقعاً ذا نفوذ كبير في اليمن بتوجيه من السلطة الإيرانية، مستفيداً من فطنته السياسية وتحالفاته الاستراتيجية وقدرته العسكرية للإبحار في المياه المضطربة للحكم اليمني. لذلك تركت وفاته فجوة كبيرة في هيكل السلطة.

في أعقاب وفاة نصر الله مباشرة، كان هناك شعور ملموس بعدم اليقين لدى الحوثي. وبدأت فصائل مختلفة داخل اليمن، بما في ذلك جماعة الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي وبقايا المؤتمر الشعبي العام، بالمناورة من أجل نفوذ أكبر.

أدى فراغ السلطة إلى زيادة التوترات، بحيث سعت هذه الجماعات إلى تعزيز مواقعها بسرعة، واختفى ما كنت أطرب إليه، وهو المتحدث العسكري باسم الحوثي؛ فقد كان شخصية كاريكاتورية بامتياز، مع صوته المشروخ، بإعلان الانتصار و"الموت لأميركا"!

قررت حركة الحوثيين أن تساهم بكثافة في مراسم الجنازة. ولأن الطيران من إيران إلى بيروت قد منع، فإن السبيل إلى تكثيف عدد المشيعين، هو إرسال عدد من الطائرات المحملة بأنصار الحوثي عن طريق مطار عمان، المسموح به دولياً، وهي الجماعة التي تعتبرها إيران المولود الثاني، بعد البكر "حزب الله"، وهي مجموعات سياسية عقائدية، تتبع الولاية في طهران وتنفذ فكرتها في تصدير الثورة.

مع تسلم الرئيس دونالد ترمب المسؤولية في الولايات المتحدة، اتخذ سياسة معاكسة لما بدا من إدارة جو بايدن من استرخاء حيال الحوثي. فقد أعاد الجماعة إلى قائمة الإرهاب الدولية، وكان مؤسس الجماعة الحوثية حسين الحوثي، مفتوناً بشخصية الخميني، إلى درجة أنه قال في إحدى محاضراته إن ما تعرض له صدام حسين، كان عقوبة إلهية، لأنه حارب ولياً من أولياء الله. أما شقيقه الزعيم الحالي للجماعة عبد الملك الحوثي، فيبدو أنه مغرم إلى حد كبير بنموذج نصر الله، و قد تعامل معه كمُلهم، بل بدأ بتقليده في خطاباته، برفع السبابة، والاتكاء على بعض التعابير. تلك خلفية تحمّس الحوثي لدفع جمهوره إلى حضور الجنازة.

وصفت السلطة الحوثية الوفد لحضور الجنازة "بأعلى مستوى"، ولكن لم يتم الإعلان عن تلك الوفود إلا بعد وصول الجميع إلى بيروت! الوفد تشكل من شخصيات دينية و قيادية من الجماعة، أو ممن تولوا مناصب سابقة، تنفيذية أو عسكرية. وكان خالياً من القيادات التي استهدفتها قوائم العقوبات الدولية، إذ أن تنفيذ قرار الرئيس الأميركي قد أزف.

الى جانب الوفد الرسمي، خصصت مجموعة من الرحلات (مرة أخرى عن طريق عمان) للمشيعين الحوثيين من أجل تكثير السواد. نشطت المنصات الإعلامية بتضخيم الأرقام؛ إنهم 27 ألف يمني حوثي، و هو رقم مضخّم إلى حد كبير !

إرث نصر الله في اليمن مثير للجدل. البعض، كان يدعي أنه قوة استقرار في بلد يعاني من الصراع. بالنسبة للآخرين، تميزت قيادته للصراع في اليمن بالجدل والانقسام. من الواضح أن وفاته أثرت بشكل عميق على الديناميكيات السياسية في اليمن، ومن المحتمل أن يكون التأثير أكبر بمرور الوقت.

وبالنظر إلى المستقبل، لا يزال مستقبل اليمن غير مؤكد. لم يتم بعد حل الصراع على السلطة الذي أعقب وفاة نصر الله، ومسار البلاد إلى الأمام محفوف بالتحديات. من المرجح أن يلعب عدد من العوامل أدواراً حاسمة في تشكيل مسار اليمن.

ما يهم أن النزاع المستمر في اليمن تحول إلى أزمة إنسانية حادة. وتلبية احتياجات الشعب اليمني، بما في ذلك الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية، أمر بالغ الأهمية.

يجب أن يعطي أي حل مستدام للصراعات السياسية في اليمن الأولوية للمخاوف الإنسانية.

من المرجح أن تلتفت الجهات الفاعلة الدولية إلى المشهد السياسي في اليمن، بعد ضبط الساحة اللبنانية وربما السورية.

وستكون المشاركة من المجتمع الدولي فاعلة، من أجل خفض التهديد الأمني الدولي من الحوثي، والذي كانت مشاركته في الجنازة بمثابة مقدمة لوداع عصر مضطرب في اليمن.

"جريدة النهار"