تدخل إيراني-حوثي في قضية الممرضة الهندية المحكومة بالإعدام: هل تتحول العدالة إلى أداة ابتزاز سياسي؟

في خطوة تعكس النفوذ الإيراني المتزايد على ميليشيات الحوثي في اليمن، كشفت التطورات الأخيرة عن دور مباشر لطهران في محاولة التأثير على مسار قضية الممرضة الهندية نيميشا بريا، التي تواجه حكم الإعدام في صنعاء بتهمة قتل شريكها التجاري اليمني طلال عبده مهدي عام 2017.
هذه القضية، التي أصبحت محط أنظار الرأي العام الدولي، تسلط الضوء ليس فقط على معاناة الممرضة الهندية، بل أيضًا على كيفية استغلال الحوثيين للقضاء كأداة لتحقيق مكاسب سياسية ومادية.
الدور الإيراني في القضية
أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال مقابلة مع صحيفة "ذا هندو" الهندية، أنه ناقش قضية نيميشا بريا مع محمد عبد السلام، رئيس وفد الحوثيين، وذلك بعد لقائه بوزير الشؤون الخارجية الهندي س. جايشانكار في العاصمة العمانية مسقط. وأكد عراقجي أن الجماعة الحوثية ستسعى لإيجاد "مخرج قانوني" للممرضة الهندية، مدعياً أن القضية "محض قانونية" ولا علاقة لها بالسياسة.
ومع ذلك، يشير هذا التدخل المباشر من قبل إيران إلى مدى النفوذ الذي تمارسه طهران على الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة من شمال اليمن منذ عام 2014. فالقضية ليست مجرد شأن قانوني داخلي كما يحاول البعض تصويرها، بل هي انعكاس واضح لاستخدام القضاء كوسيلة ضغط سياسي واقتصادي، خاصة في ظل الاهتمام الدولي والإقليمي المتزايد بهذه القضية.
تفاصيل القضية وأبعادها الإنسانية
نيميشا بريا، وهي ممرضة سابقة من ولاية كيرالا الهندية، أُدينت في عام 2020 بقتل شريكها التجاري اليمني طلال عبده مهدي. وتقول عائلتها إنها تعرضت للاعتداء والتحرش من قبل الضحية لسنوات، وأنها كانت تعيش في ظروف نفسية وجسدية صعبة قبل الحادثة.
ومع ذلك، لم يتم أخذ هذه الظروف بعين الاعتبار خلال محاكمتها، حيث وجهت إليها تهمة القتل العمد وصدر حكم بإعدامها.
أطلقت عائلة نيميشا حملة دولية واسعة للمطالبة بالعفو عنها، مشيرة إلى أنها كانت ضحية لسوء المعاملة والاعتداء المستمر. كما عملت العائلة على جمع الأموال لدفع "دية الدم"، وهي آلية قانونية في النظام الإسلامي تتيح للمدانين تجنب الإعدام إذا تم دفع تعويض مالي لعائلة الضحية.
ومع ذلك، فإن هذه الآلية غالبًا ما تتحول في مناطق سيطرة الحوثيين إلى أداة ابتزاز، حيث يتم رفع قيمة الدية بشكل غير معقول أو يتم استخدامها لتحقيق مكاسب سياسية.
القضاء تحت سيطرة الحوثيين
أحد أبرز التحديات في هذه القضية هو الواقع القانوني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فقد تحول القضاء في صنعاء إلى أداة بيد الجماعة المسلحة، التي تستغل القوانين لتحقيق أجنداتها السياسية والمادية. فبدلاً من أن يكون القضاء وسيلة لتحقيق العدالة، أصبح أداة للضغط والابتزاز، حيث يتم استخدامه لتبرير قرارات الجماعة أو تحقيق مصالحها.
وفي حالة نيميشا بريا، يبدو أن هناك محاولات لتحويل القضية إلى مسألة مالية، حيث يتم الضغط على عائلتها لدفع مبالغ كبيرة مقابل العفو عنها. وهذا النهج ليس جديدًا، إذ سبق أن استخدم الحوثيون القضاء في قضايا مشابهة لتحقيق مكاسب مالية أو لتعزيز نفوذهم السياسي.
التلاعب بالعدالة: هل تكون نيميشا ضحية جديدة؟
التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستتحول قضية نيميشا بريا إلى واحدة من تلك القضايا التي يتم فيها استغلال العدالة لتحقيق أغراض سياسية؟ وهل سيكون تدخل إيران والحوثيين مجرد محاولة لتحسين صورتهم أمام المجتمع الدولي، أم أن هناك نية حقيقية لإيجاد حل عادل لهذه القضية؟
ما يزيد من تعقيد الأمر هو أن قضية نيميشا ليست فقط قضية قانونية، بل هي قضية إنسانية تعكس معاناة آلاف المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرة الحوثيين، حيث يتم حرمانهم من حقوقهم الأساسية واستغلالهم لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية.
ردود الفعل الدولية
على الصعيد الدولي، أثارت قضية نيميشا بريا اهتمامًا كبيرًا، خاصة من قبل الحكومة الهندية ومنظمات حقوق الإنسان. وقد أكد وزير الشؤون الخارجية الهندي س. جايشانكار أن بلاده تتابع القضية عن كثب وتسعى لضمان حصول الممرضة على محاكمة عادلة.
كما أعربت العديد من المنظمات الحقوقية عن قلقها بشأن استغلال القضاء في مناطق سيطرة الحوثيين، معتبرة أن ذلك يعكس انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
قضية الممرضة الهندية نيميشا بريا ليست فقط قضية قانونية، بل هي قضية تعكس التداخل المعقد بين السياسة والقانون والإنسانية في اليمن.
وبينما يحاول الحوثيون وإيران تقديم القضية على أنها "قانونية بحتة"، فإن الوقائع تشير إلى أنها جزء من لعبة سياسية أكبر تهدف إلى تحقيق مكاسب مادية وسياسية.
وفي ظل هذا الواقع المعقد، يبقى السؤال: هل ستتمكن الجهود الدولية من تحقيق العدالة لنيميشا، أم أنها ستكون ضحية جديدة لنظام قضائي أصبح أداة بيد الجماعات المسلحة؟