أين سيتوقّف الهجوم الأمريكي على اليمن؟

عبر استهدافها ميناء رأس عيسى النفطي في مدينة الحديدة، على مدى يومي (الجمعة والخميس)، تكون القوات الأمريكية قد نفذت أكبر هجمات دموية على اليمن حتى الآن منذ بدء ضرباتها على حركة «أنصار الله» (الحوثيين) الشهر الماضي. خلّفت الغارات، في آخر حصيلة للضحايا، 74 قتيلا و171 جريحا، فيما أظهرت الأقمار الاصطناعية صورا لدبابات ومركبات مدمرة، كما كشفت حصول تسرّب نفطي إلى مياه البحر الأحمر.
تم إنشاء الميناء ليعمل كمحطة تصدير عائمة للنفط ويرتبط بخط أنابيب يمتد لمسافة 438 كيلومترا وتصل قدرته التخزينية إلى نحو 3 ملايين برميل ويتمتع بموقع استراتيجي يمكنه من استقبال ناقلات نفط عملاقة.
استهدفت الهجمات الأمريكية، حتى الآن، قادة الصف الأول والثاني من الحوثيين، ومخازن الذخائر والأسلحة في صنعاء وصعدة، ومطار صنعاء، وميناءي الحديدة ورأس عيسى، ومن المتوقع أن تؤدي الضربات الأخيرة إلى تأثيرات خطيرة على قطاع البنية التحتية النفطية في اليمن، مما سيؤدي إلى تضافر الضغوط العسكرية والاقتصادية على الحوثيين.
تأتي هذه الهجمات مع بدء المفاوضات الأمريكية مع إيران التي ستعقد جولتها الثانية في العاصمة الإيطالية اليوم، ورغم تسرّب تقارير عن منع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حكومة إسرائيل من تنفيذ ضربة للمشروع النووي الإيراني كانت مخططة للتنفيذ الشهر المقبل، فإن هذه الهجمات على اليمن، والتحشيد العسكري الأمريكي في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي (قاعدة دييغو غارسيا) ونقل كميات من الأسلحة المخصصة لضرب التحصينات تحت الأرضية إلى إسرائيل، توضح أن إدارة ترامب تؤازر دبلوماسية التفاوض بإعلان الجاهزية للحرب.
ترافقت هذه التطوّرات مع زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران، ولقائه بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، وهي خطوة لافتة ليس بتجاوزها الطابع البروتوكولي فحسب، بل بالطابع العسكريّ لها، بشكل يشير إلى تطرقها لملفّي اليمن وأمن الخليج (وهو ما تطرّقت إليه تصريحات الطرفين) وربما بترتيبات استراتيجية أوسع تتعلق بسوريا والعراق ولبنان.
وإذا تأكدت التقارير التي تداولتها مراكز أبحاث غربية عن أن طهران قررت تقليص تدخلها العسكري المباشر في الملف اليمني، وصدقت توقعات المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بأن هناك فرصة تاريخية لإنهاء النزاع اليمني نتيجة حصول «توافق إقليمي غير مسبوق» فإن التحرّكات الدبلوماسية الإقليمية، التي تشارك فيها الأمم المتحدة والسعودية وإيران وسلطنة عُمان، قد تؤدي إلى مشهد يمنيّ جديد.
تقف، في مقابل هذا السيناريو «المتفائل» عوائق محلّية وإقليمية وعالمية، فالواضح أن الضربات الكبيرة التي تلقتها الحركة الحوثية حرّكت آمالا لدى فاعلين محلّيين، بينهم الحكومة اليمنية الشرعية، المدعومة من السعودية، و«المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم من الإمارات، في استغلال هذا الظرف ومحاولة استعادة مناطق يهيمن عليها الحوثيون. والأمر خاضع، في النهاية، لقانون الفراغ الجيوبوليتيكي، فأي تراجع لطرف من الأطراف الثلاثة سيؤدي إلى تقدّم للطرفين الآخرين.
يرتبط الأمر أيضا، بتطوّرات المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية، وبالمحاولات الإسرائيلية المستمرة لإفشال هذه المفاوضات وترجيح العمل الحربيّ ضد إيران، وهو أمر يُفترض أن تعمل دول الخليج العربي، بقدر ما تستطيع، على تجنّبه، وقد رأينا حتى الآن، بما يتعلّق بجنون القوة الإسرائيلي، نماذج كافية عن قدرته على اجتياز كل الحدود، في فلسطين، وسوريا ولبنان.
*القدس العربي