كيف يتحرك الإعلام الحوثي كذراعٍ دعائي للمشروع الإيراني؟

في خضم التصعيد المستمر الذي تشهده المنطقة، تنكشف ملامح الحرب متعددة الأوجه التي تخوضها إيران عبر ميليشياتها وأذرعها الإعلامية في الفضاء الرقمي، فلم يعد الأمر مقتصرًا على الطائرات المسيّرة أو الخلايا النائمة بل أصبح يشمل كذلك هجومًا إعلاميًا منسقًا يهدف إلى النيل من الدول المستقرة، وعلى رأسها الأردن.
في الأيام التي تلت إعلان السلطات الأردنية عن تفكيك خلايا خطيرة مرتبطة بميليشيات مدعومة خارجيًا، برزت لهجة عدائية واضحة في الخطاب الإعلامي الحوثي تجاه الأردن تجاوزت في مضمونها النقد السياسي لتصل إلى الاتهام الصريح بالخيانة والتواطؤ مع العدو الصهيوني، في محاولات مكشوفة لإثارة الشكوك حول شرعية النظام الأردني والتشويش على موقفه القومي والوطني.
اتضحت معالم المشروع الإيراني في اليمن منذ الانقلاب الحوثي في صنعاء عام 2014م، والذي لم يقتصر على السيطرة الجغرافية والعسكرية، بل شمل توجيه خطابات إعلامية موازية تخدم أهداف طهران التوسعية، ففي الحسابات المقرّبة من القيادات الحوثية يمكننا أن نرى بوضوح تحوّلها إلى منابر لبث التحريض الطائفي والتشكيك بأنظمة الحكم العربية، وفي هذا السياق، جاء الهجوم على الأردن كامتدادٍ لهذا المشروع، حيث وُصف بمصطلحات تحمل دلالات التخوين والعمالة، في تماهٍ خطير مع الخطاب الإيراني التقليدي ضد الدول الحليفة للغرب.
يتضح جليًا إطلاق إيران لمعركتها الإعلامية ضد الأردن بالتوازي مع دعمها غير المباشر للخلايا التي تم ضبطها مؤخرًا على الأراضي الأردنية، وذلك من خلال المنشورات التي تداولها ناشطون وقياديون حوثيون، والتي اتهمت عمّان بخدمة أجندة إسرائيل وقمع المقاومة وبيع القدس، وهي عبارات تكررت على لسان إعلاميين في قنوات ممولة من طهران.
المثير أن هذه الاتهامات جاءت متزامنة مع كشف السلطات الأردنية عن إحباط مخطط يشمل تصنيع صواريخ وطائرات مسيرة بتمويل خارجي وتدريب غير مشروع، ما يشير إلى أن الهجوم الإعلامي لم يكن وليد اللحظة، بل هو جزء من حملة منسّقة تستهدف تفكيك الداخل الأردني.
تعمل إيران بمبدأ الحروب الحديثة التي لا تُحسم بالصواريخ، ولذلك تستخدم وسائل الإعلان كأداة للتشويش، فتبث سرديتاها في الفضاء الإعلامي كتهيئة نفسية لمرحلة ما قبل لاضطرابات، ولهذا، فإن من يتابع السردية القصصية لإيران سيعلم جيدًا بأن خطاب الحوثيين حول الأردن لم يأتِ عبثًا، بل يحمل بصمات المدرسة الدعائية الإيرانية التي ترى في التشكيك بسمعة الأنظمة العربية وسيلة لزعزعة استقرارها دون إطلاق رصاصة واحدة.
إن المعركة المقبلة قد تكون أصعب، لأنها تجري في ميدان مفتوح بلا حدود ولا قوانين وهو ميدان الوعي، وما تحتاجه عمّان – ومعها العواصم العربية الأخرى – ليس فقط المزيد من الرقابة على الحدود، بل أيضًا وعي إعلامي قادر على التصدي لخطاب التضليل وفضح مخططاته وارتباطاته.