الجمعة 28 مارس 2025 01:07 مـ 29 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

عبدالله عبدالوهاب نعمان.. صوت الوطن

الإثنين 24 مارس 2025 05:33 مـ 25 رمضان 1446 هـ

تخليد الإبداع دليل على عظمة المبدع نفسه، والتقاؤهما معا دليل على عظمة المكان ذاته، وربما منح الإبداعُ ذاته عبقرية جديدة للمكان، لأن بين الجميع متلازمة وثيقة لا تنفك عن بعضها.

محطتنا اليوم مع شخصية إبداعية ذات فرادة وخصوصية استثنائية، شبت إبداعاته، فتخلدت إلى اليوم، وستظل كذلك لألف عام قادمة على الأقل.

عبدالله عبدالوهاب نعمان، المولود في العام 1917م في الحجرية بتعز، أديب وشاعر وسياسي، وفرع من أيكة المجد الباسقة. فوالده هو الشيخ عبدالوهاب نعمان، قائم مقام قضاء الحجرية، وأحد مناضلي وثوار 1948م الذين أعدمهم الطاغية أحمد، وهو ابن عم المناضل الوطني الكبير الأستاذ أحمد محمد نعمان، رئيس الوزراء الأسبق، درس أولا على يد والده، ثم ابن عمه، ثم التحق بمدارس زبيد وتعلم فيها ما يتعلمه طلبة تلك المرحلة من علوم الدين واللغة والحساب والتاريخ.

وباستقراء تاريخ المشيخات والبيوتات الكبيرة في اليمن خلال النصف الأول من القرن العشرين، نجد أن مشيخة آل نعمان في الحجرية تكاد تتصدر كل البيوتات المشيخية على مستوى اليمن، كما تصدرت أسرة آل الإرياني القضاء في إب. وآل نعمان ينتسبون إلى نعمان بن مقبل بن علي شمسان، وصولا إلى الحكم البنا. وموطن هذه الأسرة الأصل وادي بنا في النادرة من إب. هاجر جدهم الأول إلى الحجرية، واستقر في تربة ذبحان، وفيها حاز الزعامة الروحية الصوفية، وهي الأيديولوجية الثقافية والدينية السائدة في تلك الفترة، والمتوارثة عن صوفية الفقيه المجدد أحمد بن علوان.

منذ البواكير الأولى لنضال اليمنيين ناوأت مشيخة آل نعمان بالحجرية طغيان الإمامة، إلى حد أنه ما ذكر النضال اليمني إلا وتبادر إلى الذهن مباشرة اسم الأستاذ نعمان، مقرونا بنجله محمد، وبالشيخ المناضل أمين عبدالواسع نعمان الذي لعب أدوارا بطولية نضالية، لم يُكتب عنها حتى الآن، كما هو الشأن مع الشيخ علي محمد نعمان، الأخ الأكبر للأستاذ أحمد نعمان، ومن أوائل شهداء ثورة 26 سبتمبر الذين ثاروا ضد الإمامة، وكان عاملا على حرض حينها، بل إنه في العام 1944م، والذي سُمّي عام الاعتقالات، اعتقل الإمام يحيى أحد عشر فردا من أقارب الأستاذ أحمد محمد نعمان، حسبما ذكر علي محمد عبده، من أصل سبعين معتقلا، من مختلف البلاد.

هذه هي الأسرة التي ينتسب إليها الأديب والشاعر والمناضل عبدالله عبدالوهاب نعمان "الفضول" والفضول اسم صحيفة أسسها في عدن أواخر أربعينيات القرن الماضي، عقب فشل الثورة الدستورية، وبها لقب، كما لُقبت بها أيضا أسرته الصغيرة في عدن، بل ومنزله، فكان يُقال: منزل الفضول. واستمرت خمس سنوات متتالية حتى العام 1953م؛ حيث قامت السلطات البريطانية بإغلاقها في عدن، بعد مراسلات عديدة من قبل الطاغية أحمد حميدالدين، وقد شكلت هذه الصحيفة مدرسة رائدة إلى اليوم، بل وتعتبر من المحطات الرئيسية في تاريخ الصحافة اليمنية.

بعد إغلاق الصحيفة تفرغ للشعر، والشعر الغنائي على وجه التحديد، وربما كانت بدايته الحقيقية مع هذا المحطة منذ تلك الفترة، ومن أشهر القصائد الغنائية التي كتبها آنذاك هما "دق القاع" و "عدن عدن". ثم تلاحقت بقية القصائد الأخرى، والأنشطة الأخرى، ومنها محررا في صحيفة الكفاح، لصفحة سماها "بسباس".

علما أن للفضول قبل ذلك نشاطات صحفية وتربوية مسبوقة، فقد عمل في التدريس بالمدرسة الأحمدية بتعز ما بين العامين 41: 1944م، ثم مُدرسا بمدرسة بازرعة بعدن، وساهم في تأسيس حزب الأحرار الذي أسسه الزبيري ونعمان في عدن عام 1944م، كما ساهم في تأسيس وإدارة صحيفة صوت اليمن، الصادرة عنه، وكان في نفس الوقت أحد فنيي المطبعة الذين عملوا على تشغيلها مع المناضل محمد عبدالله الفسيل وآخرين، وكتب في بعض الصحف العدنية آنذاك، وظل مناضلا صلبًا عتيدا في وجه الإمامة حتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62م، ومعها عاد إلى صنعاء، مساهما في بناء النظام الجديد، فتم تعيينه مديرا لمكتب الاقتصاد والجمارك في تعز، ثم وزيرا للإعلام في حكومة الكرشمي أواخر فترة الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، ثم مستشارا للحكومة لشؤون الوحدة، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى توفي عام 1982م.

في الواقع يُعتبر عبدالله عبدالوهاب نعمان رمزا وطنيا خالدا، وعلما سياسيًا بارزا، على الأقل بما عمقه في الأجيال المتتالية من الوجدان الوطني بأناشيده الوطنية، وبما أضاف وجدد في الشعر الغنائي اليمني، بصورة غير مسبوقة حتى صار مدرسة بحد ذاته، كتب من الأرض وإلى الأرض، للطبيعة، وللإنسان، للجندي وللطالب، للفلاح والمزارع. أبدع في الأغنية العاطفية والريفية، كما أبدع في الأغنية الوطنية، بلغة "فصعميّة" أي مزيج بين الفصحى والعامية، فكانت قريبة من وجدان الناس ومشاعرهم، وأي يمني لم يسمع لأيوب طارش من كلمات الفضول، علما أن هذه الأعمال كان لها حضورها الكبير في الجنوب قبل الشمال، سابقا، إلى حد أنّ النشيد الوطني الرسمي لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية كان من كلمات الفضول، وهو النشيد الوطني الذي تم إقراره بعد قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م. وقد قلده الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وسام الآداب والفنون عام 1980م، كما قلده علي عبدالله صالح أيضا وسام الفنون عام 82م.

هل سينسى اليمنيون هذه الرائعة الفضولية البديعة؟
املؤوا الدنيا ابتساما وارفعوا في الشمس هاما
واجعلوا القوة والقدرة في الأذرع الصلبة خيراً وسلاما
واحفظوا للعز فيكم ضوءه
واجعلوا وحدتكم عرشًا له
واحذروا أن تشهد الأيام في صفكم تحت السماوات انقساما
وارفعوا أنفسكم فوق الضحى أبداً عن كل سوء تتسامى
وأيضا رائعته الوطنية الأخرى:

هذه يومي فسيروا في ضحاها
فالضحى أشرق منها واكتساها
ونسجنا شمسها ألويةً
تحتها سارت خطانا تتباهى
وأتى الخير إلى هامتنا
لاثمًا منا أنوفا وجباها
واستعار المجد من قاماتنا
قامة لم يعطه طولاً سواها

حقا.. لقد كان الفضول رائدا سياسيا مناضلا نازل الإمامة طغيانها وجبروتها بالشعر وبالمقال السياسي وبالموقف الوطني الصادق، في كل المنحنيات والمنعطفات السياسية، بكل مسؤولية، فخلد مواقفه هذه في ذاكرة الشعب، حديثا يُتلى، وتاريخا يُروى، مؤكدا بثقة صاحب الحق المقدس:

هذه الأرض التي سرنا على صهوات العز فيها وأتينا
وملكــنا فــوقها أقــــــــدارنا ونواصيها فشئنا وأبينا
أبدًا لن تنتهي فيها انتصاراتُنا إلا إذا نحــــنُ انتهينا