الإثنين 17 مارس 2025 01:15 صـ 18 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

السعودية تقلص إنفاقها الاستشاري.. نهاية عصر الشيكات المفتوحة

الأحد 16 مارس 2025 04:22 مـ 17 رمضان 1446 هـ
الإنفاق على المستشارين
الإنفاق على المستشارين

في مشهد لم يكن متوقعًا قبل أعوام قليلة، بدأت المملكة العربية السعودية في إعادة حساباتها تجاه الإنفاق السخي على المستشارين الخارجيين، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية وتراجع عائدات النفط. تقرير صادر عن صحيفة "فاينانشال تايمز" أظهر بوضوح أن سوق الاستشارات، الذي شهد نموًا استثنائيًا بنسبة 38% في عام 2022، و25% في 2023، سيتباطأ إلى 13% فقط في عام 2025. هذا التراجع يؤشر إلى تغيّر عميق في طريقة تعامل السعودية مع مستشاريها.

نهاية عصر "الشيكات المفتوحة"

لعل من أبرز مظاهر هذا التحول هو قرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي بفرض حظر لمدة عام على شركة PwC، ومنعها من الحصول على عقود استشارية جديدة. هذه الخطوة تُفسر كرسالة واضحة بأن فترة الإنفاق غير المحدود قد انتهت، وهو ما أكده دان ألبرتيلي، كبير المحللين في Source Global، بقوله: "انتهى زمن المشاريع الاستشارية ذات الشيكات المفتوحة". الشركات التي كانت تعيش في رخاء السوق السعودي تواجه الآن تدقيقًا ماليًا صارمًا.

تقليص الميزانيات تحت ضغط النفط

التراجع في الإنفاق لم يكن اعتباطيًا، بل جاء بعد تحديات اقتصادية حقيقية. شركة أرامكو السعودية، العملاقة النفطية، خفضت توزيعات أرباحها بنسبة 30% لعام 2025، بعد هبوط أرباحها الصافية بنسبة 12% في 2024. هذه الضغوط انعكست مباشرة على ميزانيات الحكومة وصندوق الاستثمارات، مما دفع إلى مراجعة شاملة لنفقات المشاريع الضخمة مثل نيوم، والحد من الاعتماد المفرط على المستشارين الأجانب.

صعود نفقات الاستشارات.. ثم الهبوط

في سنوات الطفرة، استعانت الحكومة السعودية بأسماء كبرى مثل McKinsey وBCG وBain، لتنفيذ مشاريع مستقبلية ضخمة من مدن ذكية إلى ناطحات سحاب. هذا الاعتماد المُفرط على الاستشارات، وفق مصادر مطلعة، أسفر عن مبالغات مالية، خاصة في مشروع نيوم، ما أثار تساؤلات حول جدوى هذه النفقات. الآن، وفي ظل القيود المالية، باتت المملكة تطلب من الشركات تخفيض رسومها، وهو ما وصفه بعض المديرين التنفيذيين بـ"السباق نحو القاع".

التحول نحو الاستشارات المتخصصة

ورغم التحديات، لا تزال السوق السعودية مربحة، لكن بشروط جديدة. المشاريع الكبرى مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 وكأس العالم 2034 تتطلب استشارات متخصصة، لا عشوائية. فبدلاً من استقدام أعداد ضخمة من المستشارين، تسعى المملكة الآن إلى خدمات نوعية ومركّزة تعزز القيمة مقابل المال. هذا التحول يفرض على شركات الاستشارات التكيّف مع بيئة أكثر صرامة واحترافية.

مراجعة شاملة لمصير القطاع

ما يحدث اليوم يمكن وصفه بـ"حساب المصير" لقطاع الاستشارات في السعودية. فبعد سنوات من الإنفاق السخي، بدأت الحكومة تقييم جدوى ما تدفعه، وتطالب بمقابل ملموس لكل ريال يُصرف. لم يعد هناك مجال للترف الاستشاري، ومع هذه الديناميكية الجديدة، ستحتاج الشركات إلى إظهار قيمة حقيقية وخبرة متخصصة للبقاء في دائرة المنافسة، أو مواجهة الخروج من أكبر سوق استشاري في المنطقة.