الأربعاء 26 فبراير 2025 11:55 مـ 28 شعبان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

كيف يحمي سكان تهامة البحر الأحمر

الأربعاء 26 فبراير 2025 08:29 مـ 28 شعبان 1446 هـ

يُعتبر البحر الأحمر واحدًا من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن الإقليمي والدولي. يتمتع هذا الممر المائي بموقع استراتيجي في قلب العالم، حيث يحده مضيق باب المندب الذي يُشكل نقطة التقاء بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. ولهذا السبب، تُعد المنطقة هدفًا دائمًا للقوى الإقليمية والدولية التي تسعى للسيطرة على هذا الممر المائي الحيوي. وعلى مر السنين، ظل البحر الأحمر شريانًا للتجارة العالمية، وفي الوقت ذاته ميدانًا للصراع بين مختلف الأطراف الساعية إلى توسيع نفوذها.

لاعب رئيسي

مع تصاعد التوترات في المنطقة خلال العقد الماضي، أصبح البحر الأحمر مهددًا من قبل الحوثيين الذين يسيطرون على أجزاء من الساحل اليمني، ولا سيما مدينة الحديدة والمناطق المجاورة لها. لا تقتصر هذه التهديدات على الهجمات ضد الملاحة الدولية وتهريب الأسلحة، بل تشمل أيضًا محاولات الحوثيين للسيطرة على موانئ استراتيجية مثل ميناء الحديدة، الذي يُعتبر من أهم الموانئ اليمنية على البحر الأحمر. وسيطرة الحوثيين على هذا الميناء تعزز النفوذ الإيراني في المنطقة، ما يُشكل خطرًا على الأمن الإقليمي واستقرار الاقتصاد العالمي.

في ظل هذه الظروف، برزت مقاومة تهامة كلاعب رئيسي يسعى لضمان استقرار البحر الأحمر وحمايته من تهديدات الحوثيين. تتألف مقاومة تهامة من سكان المنطقة الذين عانوا طويلًا من التهميش والإقصاء على يد الأنظمة السياسية المتعاقبة في اليمن. وعلى الرغم من هذا التهميش، كان سكان تهامة دائمًا في طليعة المقاومة ضد أي محاولة للهيمنة على منطقتهم. فقد خاضوا على مر التاريخ معارك شرسة ضد الغزاة، بدءًا من الاحتلال الإمامي في أوائل القرن العشرين وصولًا إلى محاولات الحوثيين فرض سيطرتهم على مناطقهم.

تتميز تهامة بتاريخ غني بالنضال والمقاومة، وقد شهدت المنطقة عدة انتفاضات ضد الظلم والتهميش، كان أبرزها انتفاضة الزرانيق عام 1925 التي قادتها قبيلة الزرانيق ضد حكم الأئمة. وعلى الرغم من مرور الزمن، استمر التهميش، مما أدى إلى نشوء حراك تهامة في عام 2011 التي طالب بالعدالة والمساواة لأبناء المنطقة. في البداية، سعت هذه الحركة إلى التغيير السلمي والمطالبة بوضع حد للظلم السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه تهامة. في مدن مثل الحديدة وغيرها من مناطق الساحل التهامي، نظم السكان احتجاجات للمطالبة بحقوقهم في التنمية والتوزيع العادل للثروات.

كل شيء تغيّر مع صعود الحوثيين

لكن الأوضاع تغيّرت بشكل جذري مع بروز الحوثيين كقوة مهيمنة في مناطق يمنية عدة عقب انقلابهم في عام 2014. عندما دخل الحوثيون إلى تهامة، ارتكبوا العديد من الانتهاكات بحق السكان المحليين، حيث تعرض الناس للقمع والاعتقال وسوء المعاملة. وبحلول عام 2017، ومع تصاعد انتهاكات الحوثيين، اضطر سكان تهامة إلى اللجوء إلى المقاومة المسلحة.

تأسست مقاومة تهامة كقوة عسكرية منظمة بدعم من التحالف العربي، الذي تدخل في الصراع إلى جانب الحكومة اليمنية لاستعادة الشرعية. لعبت المقاومة دورًا محوريًا في القتال على طول الساحل التهامي، ونجحت في تحرير عدة مناطق استراتيجية، بما فيها مدينتا المخا والخوخة وموانئ أخرى على البحر الأحمر. غير أن توقيع اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018 بين الحكومة اليمنية والحوثيين أدى إلى وقف العمليات العسكرية في الحديدة. على الرغم من ذلك، استمر الحوثيون في ارتكاب انتهاكاتهم، ما أدى إلى عدم تنفيذ كثير من بنود الاتفاق وزيادة معاناة المدنيين في تهامة.

ورغم صمود مقاومة تهامة، لا يزال أبناء المنطقة يعانون من التهميش السياسي، إذ إن المجلس الرئاسي اليمني يفتقر إلى تمثيل حقيقي لأبناء تهامة. وهذا التهميش السياسي يعكس الظلم المستمر الذي تعيشه المنطقة منذ عقود، ففي الوقت الذي تتمتع فيه معظم المناطق اليمنية بتمثيل في المجلس، يُستبعد سكان تهامة من العملية السياسية.

في الوقت نفسه، يحاول طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، التدخل في شؤون مقاومة تهامة من خلال السعي للسيطرة على عدد من القوات المحلية، بما فيها قوات خفر السواحل التي تُعتبر عنصرًا أساسيًا في حماية البحر الأحمر والممرات الملاحية الدولية. حاول صالح دمج هذه القوات ضمن مشروعه السياسي، ما يُهدد قدرتها على أداء مهامها بحرية وفعالية، رغم أن خفر السواحل قوة وطنية مستقلة.

دعم ضروري
في نهاية المطاف، يلعب سكان تهامة دورًا محوريًا في تحقيق السلام والاستقرار. من الضروري الاعتراف بحقوقهم في المشاركة السياسية والعسكرية، مع تقديم الدعم لهذا المقاومة المحلية غير المؤدلجة. سكان تهامة هم الأكثر قدرة على حماية مناطقهم وسواحلهم، فهم الأدرى بجغرافية منطقتهم واحتياجاتها.

المسألة لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تتطلب استراتيجية شاملة تهدف إلى بناء استقرار دائم في البحر الأحمر. من خلال دعم مقاومة تهامة، يمكن تعزيز قدرتها على استعادة حقوقها وحماية البحر الأحمر من التهديدات المستقبلية. مثل هذا الدعم يُتيح للمجتمع الدولي المساهمة في الأمنين الإقليمي والدولي دون الحاجة إلى تدخل أطراف خارجية قد تؤدي إلى تفاقم الوضع.

لذا، إذا كان المجتمع الدولي جادًا في تحقيق الاستقرار في البحر الأحمر وإرساء سلام دائم في المنطقة، فعليه إقامة شراكة حقيقية مع سكان تهامة، تقوم على دعم مقاومة تهامة وقوات خفر السواحل وضمان استقلالها لحماية أمن الملاحة العالمية.

إن منطقة تهامة، التي تُشرف على أحد أهم طرق الملاحة في العالم، تقف اليوم في قلب معركة حماية البحر الأحمر. والفرصة الآن متاحة أمام المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب سكان هذه المنطقة ومساعدتهم في تحقيق السلام والاستقرار.


ترجمة المقال باللغه العربية
رابط المقال باللغه الهولندية

https://rfgmedia.nl/verzet-aan-de-kust-hoe-inwoners-van-tihama-de-rode-zee-beschermen/