المحكمة الجنائية الدولية تندد بعقوبات ترامب وتحذر من تقويض العدالة الدولية
نددت المحكمة الجنائية الدولية بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات عليها، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تهدد استقلالها وتقوض نظام العدالة الدولية.
وكان ترامب قد وقع أمس الخميس أمرًا تنفيذيًا بفرض عقوبات على المحكمة، معلنًا "حالة الطوارئ الوطنية" لمواجهة ما وصفه بـ"التهديد" الذي تمثله جهود المحكمة، في إشارة إلى إصدارها أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
ووصف ترامب المحكمة بأنها "كيان غير شرعي" يستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها، وعلى رأسهم إسرائيل، مؤكدًا أنها تدعي اختصاصًا قضائيًا غير مبرر ضد مواطني الولايات المتحدة وحلفائها.
انتقادات دولية ودعوات للتراجع عن العقوبات
في ردها على القرار، أكدت المحكمة الجنائية الدولية التزامها بحماية موظفيها، داعية المجتمع الدولي إلى دعم استقلال القضاء الدولي والدفاع عن حقوق الإنسان.
من جهته، أشاد نتنياهو بقرار ترامب، معتبرًا أن العقوبات "تحمي سيادة أميركا وإسرائيل"، واصفًا المحكمة بـ"الكيان الفاسد والمعادي لأميركا واليهود".
في المقابل، انتقد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا العقوبات، محذرًا من أنها تمثل تهديدًا خطيرًا لاستقلال المحكمة، فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن المحكمة الجنائية الدولية تلعب دورًا محوريًا في محاسبة مرتكبي الجرائم وضمان العدالة للضحايا، داعية إلى تمكينها من مواصلة عملها دون تدخلات سياسية.
أما بريطانيا، فقد أكدت على لسان متحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر دعمها لاستقلال المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أنها لا تخطط لفرض أي عقوبات على مسؤوليها.
وفي هولندا، الدولة المستضيفة لمقر المحكمة، عبّر وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب عن أسفه للقرار الأميركي، مؤكدًا أهمية المحكمة في مكافحة الإفلات من العقاب. كما دعت الأمم المتحدة واشنطن إلى التراجع عن العقوبات، معتبرة أنها تمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
ردود فعل من ألمانيا ومنظمات حقوقية
المستشار الألماني أولاف شولتز وصف العقوبات بأنها "أداة خاطئة"، مشددًا على أن المحكمة يجب أن تظل قادرة على أداء دورها في محاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة. كما أكدت وزارة الخارجية الألمانية دعمها للمحكمة، مشيرة إلى إمكانية اجتماع دول أخرى في الأمم المتحدة للتعبير عن موقفها الرافض للعقوبات.
وفي السياق ذاته، انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الخطوة الأميركية، معتبرة أنها "انحياز واضح لمجرمي الحرب على حساب الضحايا".
عقوبات تستهدف المحكمة وموظفيها
تستهدف العقوبات الأميركية الجديدة الأفراد المشاركين في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية ضد مواطني الولايات المتحدة أو حلفائها مثل إسرائيل، وتشمل تجميد أصولهم في الولايات المتحدة ومنعهم وعائلاتهم من دخول الأراضي الأميركية.
وردًا على ذلك، اتخذت المحكمة إجراءات احترازية لحماية موظفيها، من بينها دفع رواتبهم مقدمًا لمدة ثلاثة أشهر، تحسبًا لأي قيود مالية قد تؤثر على عملياتها.
**سابقة في العلاقات الأميركية مع المحكمة الجنائية الدولية**
العقوبات الجديدة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق لواشنطن في عام 2020، خلال ولاية ترامب الأولى، أن فرضت عقوبات على المدعية العامة للمحكمة آنذاك، فاتو بنسودا، ومساعد لها، بسبب تحقيقات المحكمة في جرائم ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان.
وكانت رئيسة المحكمة القاضية توموكو أكاني قد حذرت في ديسمبر 2023 من أن مثل هذه العقوبات قد تعرّض عمليات المحكمة للخطر وتهدد وجودها ذاته.
يأتي هذا التصعيد في وقت تتزايد فيه الضغوط على المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العدالة الدولية في ظل محاولات بعض القوى الكبرى التأثير على استقلال القضاء الجنائي الدولي.