أفغانستان والهند.. وهل من صفحة جديدة؟!
شكلت زيارة جي بي سنغ، مسؤول الشؤون الأفغانية والباكستانية والإيرانية في الخارجية الهندية، يوم السادس من الشهر الماضي إلى كابول، علامة فارقة في علاقات الهند مع حكومة أفغانستان التي تقودها طالبان، بعد أن أغلقت نيودلهي سفارتها في كابول إثر سقوط حكومة حليفتها من قوى التحالف الشمالي، في أغسطس من العام الماضي وذلك مع رحيل القوات الأمريكية عن أفغانستان، ورأى مراقبون ومحللون أن مرحلة جديدة تسعى الهند إلى تدشينها مع إرسالها مسؤولا بهذا الحجم، لاسيما وقد صاحب ذلك تصريحات وتطورات على صعيد الطرفين توقف عندها المراقبون طويلاً.
منذ سقوط حكومة التحالف الشمالي ووصول طالبان إلى السلطة في كابول كانت الاتصالات بين الطرفين تتم عبر طرف ثالث، مع حرص الهند على تجييش إقليمي ضد حكومة أفغانستان الجديدة، وتحديداً على مستوى أجهزة مخابرات الإقليم، لكن انشغال روسيا أخيراً بالحرب على أوكرانيا، دفع الهند إلى تغيير مواقفها، فكان أن بدأت بالتواصل مع طالبان، فأرسلت 20 ألف طن من القمح، بالإضافة إلى 13 طناً من الأدوية. وبلغ إرسالها لتطعيمات كوفيد 19 حوالي نصف مليون جرعة من التطعيمات، لكن يبقى من يقف على رأس الاهتمام الهندي بفتح هذا الحوار المباشر، هو مواجهة النفوذ الباكستاني المتصاعد في أفغانستان، نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط الطرفين الباكستاني والطالباني الأفغاني تاريخياً، وهو ما لا يخفى على الجانب الهندي، مما سيحدّ مستقبلاً من النفوذ الهندي في أفغانستان، إن تم تجاهل إقامة علاقات هندية مع كابول.
وكان وزير الدفاع الأفغاني بالوكالة ملا يعقوب، نجل الملا محمد عمر قد ألمح في الثاني من يونيو/حزيران الماضي، إلى استعداده إرسال متدربين من وزارته للتدرب في الهند، كما ترافق هذا مع استعدادات هندية لإرسال فرق تقنية، من أجل إعادة فتح السفارة الهندية في كابول، المغلقة منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس/ آب الماضي، وهو ما يُشير إلى فتح صفحة جديدة بين الطرفين، لاسيما أن ما يقلق الهند هو وجود جماعات إسلامية جهادية كشميرية في أفغانستان، وبنظرها فإن إعادة مثل هذه العلاقات ستحدُّ من نشاط هذه الجماعات، وتدمج الحكومة الأفغانية الجديدة أكثر في تعاون إقليمي ودولي لتنأى بنفسها شيئاً فشيئاً عن الجماعات الجهادية الكشميرية وغيرها.
اقتصادياً تُعوّل الهند كثيراً على تحسن العلاقات مع حكومة كابول على أساس أن ذلك سيُنعش من جديد خط أنابيب الغاز المتوقف منذ عام 2019 والقادم من تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند ثم اليابان، بالإضافة إلى جهودها التي تبذلها في الحصول على المواد الخام من النحاس والحديد والفحم الأفغاني، وفضلاً عن ذلك فإنه سيعيد فتح طرق تجارية مهمة لها من روسيا إلى آسيا الوسطى فأفغانستان، فإيران ثم البحر.
السياسات المتطرفة والأصولية للحكومة الهندية بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ربما تصطدم بهذا التوجه، لاسيما وقد انعكس ذلك بشكل واضح على المسلمين في الهند والتعاطي معهم، مما سيكون له ارتداداته في أفغانستان، لاسيما أن الأفغان يرون أن عليهم مسؤولية تاريخية وأخلاقية تجاه مسلمي الهند، فالسلطان محمود الغزنوي الأفغاني كان قد غزا الهند أكثر من 12 مرة، بينما مؤسس الدولة الأفغانية الحديثة الأمير أحمد شاه الأبدالي غزاها مرتين، ومعلوم أن من قام بتحرير كشمير الباكستانية الحالية إنما هم قبائل البشتون على طرفي الحدود الأفغانية- الباكستانية، كل هذا يعني أن أي قلاقل للمسلمين في الهند قد تنعكس سلباً على تحسن العلاقات بين الطرفين.