الإثنين 28 أبريل 2025 01:44 مـ 1 ذو القعدة 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

البرسا يهدّد وئام بيتي

الإثنين 28 أبريل 2025 11:42 صـ 1 ذو القعدة 1446 هـ

ثمّة انشقاق خطير يحدث في عقر داري.
لي حكاية مع تشجيع كرة القدم، وهي أنني لم أشجّع فريقاً قط، ولم أنغمس في الحماس العاطفي الجماعي لفريقٍ ما دون وطني، منذ أن شاهدت معارك أنصار "التلال" و"أهلي صنعاء" وهم يتعاركون في أول لقاء جمع بينهما عقب الوحدة، في صنعاء.

وكانت قناعتي المبكرة أنّ من الأفضل لي أن ألعب كرة الدم، لا أن أكون مشجعاً.
وبهذا خلّصت نفسي من توتر كبير اسمه: "فريقي الخاص".

ذهبت إلى إسبانيا وطفت مدناً كثيرة، ولم أذهب إلى برشلونة. وعندما زرنا مدريد ومررنا بالحافلة أمام ملعب ريال مدريد، لم أنزل من الحافلة، ولم ألتقط صورة هناك.

نأيت بنفسي عن تشجيع كرة القدم مبكراً.
شجّعت لاعبين معينين في عالم كرة القدم، وكان من حظّي أني عشت في زمن لاعبين ماجدين، على رأسهم ميسي.

معظم أصدقائي لديهم تحيزات رياضية سايكوباتية.
بل إنّ لي صديقاً في باريس، كلما زرته ــ وكثيراً ما فعلت في السنوات الأخيرة ــ يفتح التلفاز على القنوات الرياضية من الصباح الباكر حتى آخر لحظة قبل نومه. بل أحياناً يغفو والتلفاز غير مطفأ، وصخب المعلّقين يدوي في أرجاء الغرفة.

انقسم أولادي الثلاثة إلى فريقين: فريق كبير العدد قرر أن يناصر برشلونة، وفريق صغير العدد والسن اختار أن يشجع ريال مدريد.

اكتشفت ذلك ليلة أمس، إثر مباراة كأس الملك بين هذين الفريقين العتيدين.
يتعمّق الانقسام أكثر، لأن أولادي، وهم منقسمون بين فريقين، إلا أنهم مجمعون على تشجيع اللاعبين الفرنسيين في الفريقين.
وبهذا يتكبّدون مفارقةً طريفة بين المخاصمة الرياضية والولاء الترابي.

كنت أكره أن يكون الانتماء لفريق رياضي نوعاً من القيد العاطفي.
أردت أن أكون حراً.
وتعززت قناعاتي حينما قرأت كتاب "الإنسان المهدور" لمصطفى حجازي، وتحليله المدهش لكيف أن رياضة كرة القدم باتت الدين الجديد للشعوب، وكيف أنها ملهاةٌ يبحث فيها الإنسان المهدور عن انتصارات بعيدة تعوّضه خيباته الشخصية والوطنية.

لكن يبدو أنني فشلت في نقل هذه الحكمة إلى أولادي.

لديّ ثلاثة أولاد، أكبرهم يحب الرياضة ويمارسها، وقد لعب في فريق كرة القدم في مدينتنا السابقة قبل أن ننتقل إلى مدن فرنسية أخرى.
أما الثاني، فهو هادئ الطبع، بذهنية هندسية، لم يرغب في الانخراط في نادٍ لكرة القدم، واختار رياضات مختلفة يمارسها بشكل متقطع، لكنه لا يتردد في اللعب مع إخوته.
وأما الثالث، وهو أصغرهم وأكثرهم حركةً وانفعالاً، فإن كرة القدم هي عالمه السحري الذي يعوم فيه، ولا ينافسها في شغفه إلا حبّه للسيارات.

لكنه، لسوء حظّه، قرّر أن يناصر ريال مدريد، بينما اصطفّ إخوته الكبار مع البارسا.
قرّر أمس أن يذهب إلى النوم قبل انتهاء الشوط الثاني. ومع ذلك، لم يغالبه النوم، ولم يهنأ بالاضطجاع على السرير، وكان يخرج إلينا كل عشر دقائق قادماً من غرفته.

شعرت بغصّته ليلة أمس، وفريقه يتلقّى هزيمة نكراء، وأخواه يغرزون في راحة يده سكاكين السخرية.

لكن الغصّة الأكبر كانت في هذا الشرخ الخطير داخل البيت.
وهو تهديد لا يقلّ خطورة عن كون الأولاد يرغمونني على تجرّع مشاهدة مباريات كرة القدم!