الجمعة 25 أبريل 2025 06:32 صـ 27 شوال 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

”الحوثي والملازم والغباء المتلازم”

الجمعة 25 أبريل 2025 12:58 صـ 26 شوال 1446 هـ
الكاتب عبدالجبار سلمان
الكاتب عبدالجبار سلمان

من رحم الجهل، يولد التطرف. ومن تقديس الأشخاص، تتغذى العنصرية. تلك المعادلة المأساوية تتجلى بكل وضوح تحت سيطرة ميليشيا الحوثي في اليمن، حيث لم يعد الدين كما أنزله الله، ولا التعليم كما عرفه الناس، بل باتت “ملازم” حسين الحوثي، كراسات كتبت على عجل وجهل، تُقدَّم على أنها وحي منزل، وأنها “تجديد” للقرآن الكريم.

بات الطفل اليمني يتعلم الولاء للسيد قبل حروف الهجاء، ويحفظ الصرخة قبل الفاتحة، في مشهد عبثي يعكس حجم الانحدار الفكري، والكارثة الوطنية التي صنعتها هذه الجماعة الإرهابية المتطرفة. يتعامل أتباع الحوثي مع “ملازم حسين الحوثي” كأنها مصدر ديني لا يُمَس.

تُدرّس في المساجد والمدارس، وتُقرأ في المناسبات، وتحلّ محل القرآن في التوجيه والتعبئة. البعض منهم يذهب إلى القول بأنها أعمق من القرآن في تفسير الواقع، بل يتحدثون عنها كأنها نصوص “مُلهَمة”، تتجاوز الكتاب الكريم في القدرة على بناء “الأمة” وتحديد “العدو” و”الولي”.

وهذا الانحراف لم يكن بريئًا أو عفويًا، بل هو جزء من مشروع أكبر لخلق عقيدة بديلة، تتناسب مع مشروع الجماعة السلالي، وتشرعن حكمها باسم “الاصطفاء الإلهي”. ترتكز عقيدة الحوثيين على فكرة “الحق الإلهي في الحكم”، الذي يحتكره من ينحدر من “سلالة محددة” تُنسب إلى آل البيت.

هذا التصور يُغذّي نزعة استعلائية خطيرة، حيث يرى الحوثيون أنفسهم فوق الجميع، وأنهم خُلقوا ليُطاعوا، لا ليُساءلوا.

وهو فكر يُعيدنا إلى عصور الإمامة الكهنوتية، التي أخرجت اليمن من مسار التقدم لمئات السنين. في أدبياتهم، السلالة مقدسة، والناس تبع. الوطن لا قيمة له إن لم يكن تحت حكم السلالة، والديمقراطية كفر، والمواطنة بدعة غربية.

ولذلك لا يستغرب أحد عندما يُقصى الآخر، أو يُقتل باسم “الولاية”، أو يُسجن لأنه لم يصرخ بما أمر به “السيد”.

لم تسلم بيوت الله من التوظيف الحوثي، فالمساجد تحوّلت إلى منابر لنشر الكراهية والطائفية. تُفرض الخطب، وتُمنع دروس العلماء الذين لا يدينون بالولاء للجماعة، ويُفرض على الخطباء الترويج للملازم، وتفسير الأحداث بما يخدم سردية “العدوان” و”المظلومية”.

وتُستخدم المناسبات الدينية لبث رسائل سياسية وتعبوية تخدم مشروع الجماعة لا الإسلام. من أخطر ما ارتكبته جماعة الحوثي هو ضرب البنية التعليمية. المدارس حُوّلت إلى مقار لتلقين الفكر الطائفي، وإلى مراكز تجنيد للأطفال.

لم يعد الطالب يتلقى المنهج الوطني، بل تُوزع عليه كراسات مكتوبة بلغة تحريضية وعنصرية طائفية، تحقّر الآخر، وتقدّس القائد، وتزرع في ذهنه أن الحرب قدر، وأن الموت في سبيل “السيد” جنة.

أما “الصرخة الحوثية”، فقد أصبحت النشيد الوطني البديل، يُرددها الأطفال كل صباح، وهم يرفعون أصابعهم مرددين: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.

أي تعليم هذا الذي يبدأ باللعن، وينتهي بالتعبئة ؟ وأي مستقبل يُرجى من جيل تعلّم كراهية الآخر بدلًا من احترامه ؟ جيل يرى المدرسة ثكنة، والمعلّم أداة تعبئة، والكتب مجرد كتيبات حرب. ما يفعله الحوثي ليس فقط اعتداء على الدولة، بل على الدين، على التعليم، على الإنسان نفسه.

إنه مشروع موت، يُغلف نفسه بشعارات دينية، لكنه في جوهره مشروع سلطة وسلالة وعنصرية. الملازم التي يُقدّسونها ما هي إلا أدوات لغسل العقول، لا تمت للإسلام بصلة، ولا للوطنية بأي رابط.

في اليمن اليوم، يُعاد إنتاج الجهل بشكل منظم، ويُشرعن الاستعباد باسم الولاية، وتُختطف العقول كما اختُطفت الجغرافيا. ولن تخرج البلاد من هذا النفق المظلم، إلا عندما تُكسر هذه “الملازم”، ويُعاد الاعتبار للعلم، والدين، والإنسان.