إعلان ”دولة حضرموت العربية المتحدة”: خطوة استباقية أم مشروع انفصالي جديد؟

في تطور أثار جدلاً واسعًا، أعلن القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء أحمد سعيد بن بريك، عن التسمية الجديدة للدولة التي يسعى المجلس إلى إقامتها، تحت مسمى "دولة حضرموت العربية المتحدة"، كبديل للتسميات السابقة مثل "الجنوب العربي" و"الجنوب اليمني".
جاء هذا الإعلان خلال خطاب ألقاه الخميس الماضي في فعالية جماهيرية بمدينة المكلا، بالتزامن مع الذكرى السنوية لتحرير ساحل حضرموت من تنظيم القاعدة.
ومع أن الإعلان قُوبل بحفاوة من قبل بعض أبناء حضرموت والجنوب، إلا أنه أثار تساؤلات ومخاوف حول أهدافه الحقيقية وأبعاده السياسية.
مشروع سياسي أم تقسيم جديد؟
إعلان "دولة حضرموت العربية المتحدة" قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه خطوة نحو تحقيق طموحات شعبية وتطلعات سياسية، لكنه في الواقع يثير العديد من التساؤلات حول توقيته وأهدافه.
ففي ظل الأوضاع المعقدة التي تعيشها اليمن، يبدو أن هذا الإعلان يهدف إلى تعزيز الانقسامات الداخلية بدلاً من العمل على توحيد الجهود لإنهاء الحرب المستمرة منذ سنوات.
ومن جهة أخرى، يرى نقاد هذه الخطوة أنها ليست سوى محاولة من المجلس الانتقالي لتثبيت وجوده السياسي على الأرض، مستغلًا الفراغ الناجم عن غياب الدولة المركزية وضعف الحكومة الشرعية.
كما أن اختيار اسم "دولة حضرموت العربية المتحدة" قد يعزز الشعور بالاستثنائية لدى أبناء حضرموت، مما قد يؤدي إلى تعميق الهوة بينهم وبين بقية المحافظات الجنوبية، ما يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي والوطني.
إقصاء مكونات الجنوب الأخرى
من أبرز الانتقادات الموجهة لهذا الإعلان هو أنه يتجاهل التنوع الجغرافي والثقافي للجنوب اليمني، حيث لا يقتصر الجنوب على حضرموت فقط، بل يضم محافظات أخرى مثل عدن ولحج وأبين والضالع وغيرها.
وبالتالي، فإن إطلاق اسم "دولة حضرموت العربية المتحدة" قد يُنظر إليه كمحاولة لإقصاء هذه المكونات وإعادة تعريف القضية الجنوبية بشكل يخدم أجندات ضيقة.
وفي هذا السياق، يرى معارضون أن المجلس الانتقالي يحاول فرض رؤيته الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار آراء ومطالب باقي القوى الجنوبية.
وهذا قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بين مختلف الفصائل والمكونات السياسية، مما يعقد المشهد اليمني أكثر مما هو عليه الآن.
رسالة استباقية أم تحدٍّ للإقليم والمجتمع الدولي؟
على الرغم من أن بن بريك أكد في خطابه أن التسمية الجديدة تعكس الهوية العربية والتطلعات المشتركة لأبناء الجنوب، إلا أن هناك من يرى أن هذا الإعلان يحمل رسالة استباقية للإقليم والمجتمع الدولي.
فمن الواضح أن المجلس الانتقالي يسعى إلى تعزيز شرعيته السياسية من خلال تقديم نفسه كقوة فاعلة على الأرض، لكن هذا قد يكون على حساب جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة والدول الراعية للتسوية السياسية في اليمن.
ويرى محللون أن هذا الإعلان قد يزيد من تعقيد المشاورات السياسية الجارية، خاصة وأنه يأتي في وقت تسعى فيه الأطراف الدولية إلى إيجاد حل شامل للأزمة اليمنية.
وبالتالي، فإن الحديث عن دولة جديدة في هذه المرحلة قد يُفهم على أنه تحدٍّ واضح للجهود الدولية، ما قد يؤدي إلى عزلة أكبر للمجلس الانتقالي.
مخاوف من تداعيات الإعلان
من جهة أخرى، أثار الإعلان مخاوف بشأن تداعياته المستقبلية على الاستقرار في المنطقة. فحضرموت تعد واحدة من أغنى المحافظات اليمنية بمواردها الطبيعية، بما في ذلك النفط والغاز، وبالتالي فإن أي خطوة نحو الانفصال أو التقسيم قد تؤدي إلى صراعات جديدة على الموارد والحدود، سواء بين المحافظات الجنوبية نفسها أو بين الجنوب وبقية اليمن.
علاوة على ذلك، فإن التركيز على "دولة حضرموت العربية المتحدة" قد يعزز مخاوف الأطراف الأخرى من أن المجلس الانتقالي يسعى إلى تأسيس كيان سياسي يعتمد على الانفرادية بدلاً من الشراكة الوطنية.
وهذا قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات القائمة، ويعرقل أي جهود مستقبلية لتحقيق الوحدة الوطنية.
ختامًا: هل يخدم المشروع مصلحة الجنوب؟
في المجمل، يبدو أن إعلان "دولة حضرموت العربية المتحدة" يعكس طموحات سياسية واضحة للمجلس الانتقالي، لكنه يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع المصلحة العامة للجنوب واليمن ككل.
فبدلاً من العمل على توحيد الصفوف وإنهاء الحرب، قد يؤدي هذا الإعلان إلى تعميق الانقسامات وتأجيج الصراعات الداخلية.
يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هذا المشروع السياسي الجديد بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار، أم أنه سيكون مجرد خطوة أخرى نحو المزيد من التشتت والانقسام؟