الصوفية الرافعة الثانية للهاشمية والتشيع (الحلقة الخامسة والأخيرة)

الصوفية والتعاضد السلالي الهاشمي
كان من نتائج التدجين الصوفي السلالي للشعب، وتعاضد السلاليين شيعة وصوفية سنية، أن تأتي الرسائل السلالية الصوفية الحضرمية لتهنئة الإمامة بانتصارها على سنة اليمن في تهامة وتعز وغيرها. وكانت من أشد أنواع الرسائل غرابة وتعصباً سلالياً، رسالة حوت كل إجرام وقبح وتعصب السلاليين وتعاضدهم مع بعضهم البعض، بعث بها محمد بن عقيل بن عبدالله الحضرمي للأمير البدر محمد بن الإمام يحيى أمير تهامة يهنئه بدخول جيش الإمام معقل الزرانيق بيت الفقيه وانتصاره عليهم، أحببت أن أشاركها الجميع ليعرف اليمنيون قبح هذه السلالة في كل مكان وتعصبها ضد اليمنيين، المؤرخة بـيوم الأحد السابع من رجب 1348هـ/ الثامن من نوفمبر 1929م..
نص الرسالة:
"أدام الله جلال الجناب الرفيع، صاحب السمو الكريم العالي، سليل الأطهار جلال الإسلام شرف الأنام سيف الإسلام محمد نجل أمير المؤمنين يحيى أحيا الله بكم الإسلام، وأذل الطائفة اللئام، وأعز أنصاركم نصركم الله، وأيدكم بروح منه على أعداء الدين والمارقين.
مولاي.. ما أبرك اليوم الذي نشر فيه تلغرافكم المنبئ بدخول جيوش المؤمنين بيت الفقيه، وتسليم بقية الخارجين، فو الله أزاح هذا الانتصار كابوساً على قلوبنا طالما قاسيناه، وكم كنا نتمنى ذلك اليوم الذي نسمع فيه بسحق الزرانيق، وياليتني كنت مع الفاتحين لكنت تقربت إلى الله بقتل صغارهم قبل كبارهم"، ثم ذكر أن "هؤلاء الزرانيق عُبّاث بالبلاد، وطريقهم طريق الأخابث؛ لأنهم إما أن يكونوا بطناً من عك بن عدنان، وهم أول من ارتد في تهامة وفعلوا فيها الأفاعيل، وتلك البلاد هي مواطنهم، وإما لخبث فيهم متأصل، والأهدلية شركاؤهم.
لقد كانت ياسيدي نواصب تهامة من السادة يعلقون على ثورة الزرانيق آمالاً كبيرة وأحلاماً زائغة، فالحمد لله الذي خيب ظنهم ونكس أحلامهم.
يامولاي لقد أخبرتكم أن هؤلاء كرهت الزيدية كره العمى لاعتقادهم أنهم على غير هدى.."!
لم يكن الحضرمي هو الوحيد من حضرموت الذي ابتهج بانتصار جيوش الإمام على الزرانيق، بل إن حضرمياً آخر هو مفتي حضرموت عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، والذي زار صنعاء عام 1349هـ - 1930م قال: "إن الخلافة فيهم (أئمة الزيدية) خالدة، إلا أنها تنقبض تارة وتنبسط أخرى، كما في أيام الإمام الحالي المتوكل على الله رب العالمين يحيى بن محمد حميد الدين، فقد اتسعت حتى شملت اليمن وتهامة. ووجدت بمحله ولي عهده بإثر انتصاره على الزرانيق الذين عجزت الحكومة العثمانية من إخضاعهم، فركب إليهم الليل، وجر عليهم الخيل، حتى افتتح بلادهم في أقصر مدة بشجاعة خارقة، ينبعث أشعتها من عينيه النجلاوين الحمراوين"، ثم ذكر في ديوانه مادحاً الإمام وولي عهده أحمد وذاماً الزرانيق:
أذاق الزرانيق الردى بعنابسٍ
تكاد بسامي مجده تنطق البكمُ
شهاب الهدى حتف العدى نجله الذي
له من وصي المصطفى جده وسمُ
حتى إن هذا الرجل غير مذهبه من السنة إلى الشيعة مجاملة للإمام يحيى، وقد اتهم بسب الصحابة –رضوان الله عليهم- ولعنهم تقرباً للإمام يحيى في مدحه الذي كان يستمد اللعن لأعداء (آل البيت) من السامعين له وزائريه.
لم تُخفِ العصبة الهاشمية تعاونها وأساليبها في دعم بعضها البعض في مختلف الأقطار العربية، بغض النظر إن كانت سنية أم شيعية، ونجد هذا نموذجاَ صارخاَ بين الشريف حسين – شريف الحجاز- وبين الإمام يحيى حميد الدين، فحينما كان الشريف حسين صاحب حظوة لدى حكام تركيا الجدد ممن جاؤوا من جمعية الاتحاد والترقي بعد الانقلاب على السلطان العثماني عبدالحميد، "فقد عمل على مساعدة الأتراك حربياً ضد الإدريسي (حاكم عسير) وساعدهم بنصائحه واتصالاته بالإمام يحيى سعياً وراء الصلح بينه وبين السلطان"( ).
تستمر الهاشمية السياسية بالتعاضد في كل الأقطار، بغض النظر عن فكرها ومعتقداتها؛ أكان شيعياً أم سنياً، فهذا ملك العراق الهاشمي السني فيصل الثاني بن غازي بن فيصل بن حسين بن علي الهاشمي (2 مايو 1935 - 14 يوليو 1958)، مسانداً للإمام يحيى حميد الدين، وقد أرسل إليه وفداً عسكرياً لمهمة تدريب الجيش الإمامي بقيادة المقدم محمد حسن.
وحتى سلاليو الشرق والجنوب اليمني، بما أنهم كانوا في إطار دولة جنوبية، واحتلال بريطاني، ورغم أنهم سنة، يتعصبون سلالياً للسلاليين الإماميين، وقد ذكرنا آنفاً تعاضدهم ومديحهم في انتصاراتهم على الزرانيق.
حينما نشأت الحوثية واشتد عودها، في عقدي التسعينيات والألفية الأولى قبل اندلاع حروب صعدة، أخذت تتمدد هاشمياً في المحافظات الوسطى والجنوبية، خاصة محافظات ذمار، إب، وتعز عبر الأسر الصوفية الهاشمية تحديداً، أو مدعية الهاشمية كآل الجنيد وآل الرميمة وآل النهاري في تعز، وبعض آل السروري وبدء التنظيم فيها.
قاموا بتأسيس مركز الزاوية الصوفية للجنيد داخل مدينة تعز والتي كانت المركز الثالث (التبشير) على مستوى اليمن؛ الأول في صعدة، والثاني في ذمار، والثالث في تعز وهناك في عمران وحجة وغيرهما.
كان يرأس هذه الزاوية محمد عبدالمعطي الجنيد، يقيم فيها المقايل والدواوين، وكذلك الموالد والأنشطة الثقافية، ثم يبدأ ببث أفكاره عبر المحاضرات والمناشط الأخرى التي كان يستقدم إليها محاضرين إماميين من صعدة وصنعاء وذمار.
كانت لافتة الجنيد زاوية صوفية، لكن في العمق كانت الأنشطة شيعية اثني عشرية وليست حتى زيدية هادوية.
عملت هذه الزاوية على الاستقطاب والتجنيد للحوثية من بوابات النسب الهاشمي أولاً ثم من باب التصوف والمصالح المادية الأخرى.
قادت هذه الزاوية ورئيسها محمد عبدالمعطي الجنيد منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي حملات تشكيك في أحاديث السنة ورواتها وعلى رأسهم أبو هريرة، ولبّسوا على العامة الذين لم يكونوا يفقهون شيئاً، وكانوا يقيمون للحاضرين تلك الزاوية الصوفية الولائم والذبائح في المناسبات كليلة 27 رجب (الرجبية)، وكذلك النصف من شعبان (الشعبانية)، أو بعض ليالي رمضان، فضلاً عن 18 من ذي الحجة الذي يسيرون فيه على إثر الشيعة الإمامية في ما يسمى بيوم الولاية أو يوم الغدير.
كنت مجاوراً لأسرتين من هذه الأسر الجنيدية في صنعاء (جوار مشفى الكويت، وفي حي هائل سعيد، وكذلك حي الدفاع الجوي)، وكنت أستغرب مظاهر صلاتهم التي هي كصلاة الشيعة وهم جيراننا في مديرية المسراخ من صبر المجاورة لمنطقتنا سامع التي هي سنية 100%، ثم إقامتهم حسينية في جبل صبر تمارس فيها الطقوس الشيعية علناً!
كانت تجري بيننا العديد من النقاشات، وكانوا يمارسون التقية السياسية حينها، وكنت أظن أن مسألة تعاطفهم مع الحوثية من باب إنساني وخلافات نقاشات، كما كانوا يضللون علينا، حتى وجدت أن الأمر أعمق من ذلك؛ فقد كانوا منظمين بشكل كبير مع الحوثية ابتداءً من تأييدهم الحوثية في حروب صعدة واعتبارهم أنهم يدافعون عن أنفسهم، وعقد لقاءات تنظيمية سرية في بيوتهم، وتنظيم عمليات حشد وتجنيد لصفوفهم، ثم لما جاءت ثورة الشباب في فبراير 2011 كانوا ضمن مكون "شباب الصمود الحوثي"، وهي اللافتة الحوثية في ساحة التغيير بصنعاء، ثم عملوا بقوة مع الحوثيين قبل وبعد الانقلاب وأنا أشاهد وأتابع كل أنشطتهم، وبعد الانقلاب وإذا بتلك التقية التي كانوا يمارسونها معنا في الحارات تظهر بشكل عدائي فج، وتنتهي تلك اللغة الناعمة التصالحية معنا، وإذا بهم يستعدوننا كجيران!
مع غزو الحوثيين لمحافظة تعز كانت تلك الأسر الثلاث هي عمق الحوثية في تعز الممهدة لدخول ونصرة الحوثية، ومشاركتهم في حروبهم على محافظتهم، وتكوين مليشيات مسلحة واجهت المقاومة بشدة في منطقة الصراري من مسراخ صبر التي تعد منطقة آل الجنيد، وقاموا بجرائم كثيرة ومتعددة لولا حسم المقاومة النهائي لتلك المليشيا.
هو ذات الأمر أحدثته أسرة آل الرميمة من جبل صبر، في مديرية مشرعة وحدنان، وبنو النهاري وغيرهم من صبر أيضاً، حتى أن كبير آل الرميمة (عبدالعزيز الرميمة – عضو مجلس الشورى للحوثيين) طالب علناً باجتثاث كل التراث الذي خلفته الدولة الرسولية؛ لأنها مثلت عمق السنة في اليمن، والتي واجهت المشروع الإمامي قديماً وكانوا يفخرون بالانتماء إليها قديماً!
وهناك الكثير من الأسر الأخرى المناصرة للحوثية الإمامية كبعض آل القرشي من شرعب، أو آل المساوى من مديرية العدين، وبعض آل مغلس من قدس، وبعض آل السروري من صبر والمعافر وسامع والصلو، وبعض آل الفتيح والفتاحي أيضاً، وكلهم لهم أتباع وأشياع ومجندين، وقد عين الحوثيون سليم مغلس وأحمد المساوى الأهدلي ودماج البحر محافظين متتابعين لمحافظة تعز كونهم مناصرين لهم.
كما لم تكن الأسر الصوفية الهاشمية وحدها من تعاونت مع الانقلاب الحوثي العام أو من سهل وساعد الحوثية لغزو تعز وتدميرها؛ فهناك الكثير من الأسر والشخصيات الانتهازية اليسارية التي برزت إلى السطح وقذف بها لقيادة المليشيات الحوثية، وكذلك الشخصيات التنظيمية والحاضنة الشعبية للمؤتمر الشعبي العام التي انقلبت حاضنة ومجندة للحوثية ومثلت لهم ثقلاً شعبياً تمددوا من خلالها.
فقد استُغل التيار اليساري من قبل الهاشمية الإمامية كحليف مبطن للوصول إلى كثير من الأجندة الإمامية وتسهيل وتصعيد خطواتها نحو هرم التحكم السلطوي بفعل قيادته من قبل شخصيات تنتمي للتيار الهاشمي أمثال علي سالم البيض وحيدر العطاس وعبدالرحمن الجفري، وكثير من آل السقاف في الجنوب والشمال، ويحيى الشامي عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، وغيرهم كثير، حتى انبثق عنهم شخصيات جديدة في الحزب الاشتراكي اليمني كان لها دور بارز في دعم الانقلاب الحوثي الإمامي في 21 سبتمبر 2014، أمثال محمد المقالح، وأحمد سيف حاشد، وسلطان السامعي، وعبدالباري طاهر، وطلال عقلان، وأمل الباشا، ويحيى أبو أصبع الذي كانت مواقفه متقلبة معهم منذ 2012 حتى الانقلاب، وكان موقفه واضحاً بعد ذلك، وغيرهم.
وقد احتفت صحيفة الثوري الناطقة باسم الحزب الاشتراكي اليمني بغزو الحوثيين صنعاء، وكتب المحرر السياسي في افتتاحيتها أن "دخول الحوثيين صنعاء كان ضرورياً لإجراء عملية قيصرية قصيرة ثم الخروج منها"، في إشارة إلى تدمير جامعة الإيمان ومعسكر الفرقة الأولى مدرع؛ اللذين ناصبهما التياران الإمامي واليساري الكثير من العداء.
ليست كل الأسر الصوفية أو الهاشمية ناصرت الحوثي في تعز وغيرها بطبيعة الحال، فهناك استثناءات.
فمثلاً أسرة بني الأهدل في سامع وقفت كلها موقفاً مشرفاً، وانضم معظمها إلى المقاومة الشعبية، وعلى رأسها الشهيد ضياء الحق الأهدل؛ الجار وصديق الطفولة والدراسة، فقد كان مقرر مجلس المقاومة العامة في تعز، ويمسك ملف الأسرى والتبادل، ومعظم أقاربه في المقاومة، ودفع لذلك الموقف حياته شهيداً؛ فقد كان رأس سامع ورأساً من رؤوس محافظة تعز التي تصدت للغزو الإمامي الحوثي.
حاولت مليشيا الإرهاب الحوثي عبر آل الجنيد وبعض سروريي تعز استمالة الشيخ عبدالباري السروري، أحد رؤوس الصوفية الكبار في تعز، إن لم يكن هو رأس الجميع فيها، لمشروعها والانضمام إليها باعتباره من الهاشميين(أنا أرجع نسب السروريين هنا إلى الصوفية؛ فهو لقب من ألقاب الصوفية لا نسباً أسرياً ولا قبلياً، ولا يمتون للهاشمية بصلة؛ فالصوفية غالباً تُنَسِّب الأنساب للهاشمية نظراً لاعتقادهم فيهم واعتباره نسباً مميزاً لاعتباره نسب النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحديث عن الشيخ عبدالباري السروري لم ينقله إلي أحد؛ فقد عشت معه قليلاً من الوقت في الرياض، وحتى وهو في القاهرة والهند لم ينقطع التواصل بيننا إلى أن توفاه الله في الهند -رحمة الله تغشاه) عند غزوها محافظة تعز، فرفض الانضمام إليهم، كما حدثني بذلك شخصياً. وكذلك المثل جاءه الشيخ سلطان البركاني رئيس مجلس النواب باعتباره رأس المؤتمر الشعبي العام في تعز لحثه على جمع الناس حوله كمرجعية دينية صوفية وائتلاف أبناء تعز حوله لمقاومة الحوثيين، فرفض أيضاً الطلب، وخرج مع من خرج خارج اليمن إلى الرياض ومن ثم إلى القاهرة ثم إلى الهند التي توفي فيها.