أكراد سوريا يحتفلون بحرية «نوروز» بعد سقوط الأسد: فرحة بثلاثة أعياد

للمرة الأولى منذ عقود، شهدت مدن شمال شرقي سوريا احتفالات غير مسبوقة بعيد «نوروز» الكردي، وسط أجواء مفعمة بالأمل والفرح، بعد انتهاء عهد النظام السوري وحزب «البعث»، الذي فرض على الأكراد قيودًا صارمة حالت دون ممارسة طقوسهم القومية. احتشد الآلاف من أبناء القامشلي، والحسكة، والرقة، وأرياف حلب، مرتدين زيهم الفلكلوري، وأشعلوا النيران التقليدية، في إحياء لعيد الربيع الكردي، وسط مشاعر مختلطة من السعادة والدهشة، بعد أعوام من القمع.
سقوط النظام يفتح أبواب الفرح الكردي
انتهت حقبة الخوف والاضطهاد التي عاشها الأكراد تحت حكم الأسد وحزبه، حيث كانوا محرومين من التحدث بلغتهم الأم، وارتداء ملابسهم التراثية، وحتى من إحياء نوروز علنًا. هذا العام، تحولت شوارع القامشلي ومناطق علي فرو وهيمو إلى مسارح احتفال، رفع فيها المشاركون صور زعماء كردستانيين وأعلام تعبر عن هوية طال انتظارها للاعتراف. الأطفال والنساء، والشباب والشيوخ، الجميع توافدوا لإشعال نار «نوروز» وترديد الأغاني التراثية، تعبيرًا عن الفرح المزدوج: سقوط النظام وعودة الطقوس.
اتفاق تاريخي يعزز مطالب الأكراد
الاحتفال جاء في أعقاب توقيع اتفاق حاسم بين «قوات سوريا الديمقراطية» والإدارة الانتقالية الجديدة في دمشق، يقضي بدمج القوى المدنية والعسكرية الكردية ضمن هيكل الدولة السورية، مع ضمان الحقوق القومية. الاتفاق، الذي وصفه كثيرون بـ«التاريخي»، منح الأكراد أملًا بالحصول على حكم ذاتي معترف به، دون الحديث عن نزع سلاح أو إنهاء وجود «قسد». ويعد هذا الاتفاق خطوة كبيرة نحو ترسيخ اللامركزية، التي ناضل الأكراد من أجلها على مدار سنوات النزاع.
فرحة بثلاثة أعياد في القامشلي
سرور، أحد المشاركين في الاحتفال، عبّر عن مشاعره قائلاً: «نوروز هذا العام له طعم مختلف. نحتفل بحرية دون خوف أو قيود، كما أننا فرحنا بالاتفاق مع دمشق، ونعيش لحظة وحدة كردية». أما برتان، الطالبة الجامعية، فقالت: «نوروز يرمز لنا بالسلام. نحلم بدولة تعترف بلغتنا وحقوقنا، وتكفل مستقبلًا مشرقًا لأطفالنا». وتفاعل المجتمع السوري الأوسع مع احتفالات الأكراد، حيث شهدت مدن دمشق والسويداء وطرطوس وقفات تضامنية أشعل خلالها المواطنون النيران تعبيرًا عن دعمهم.
مطالب بالدستور وضمان الحقوق القومية
في خضم الاحتفالات، دعا «المجلس الوطني الكردي» إلى الإسراع بإطلاق عملية سياسية حقيقية، تضمن في دستور البلاد الجديد الحقوق القومية للشعب الكردي، واعتبار اللغة الكردية لغة رسمية ثانية في البلاد، بجانب الاعتراف بالتنوع الديني والعرقي. كما نظم أكراد القامشلي وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة، رفضًا لمقترح إعلان دستوري، اعتبروه تهديدًا للفيدرالية والتعددية، ورفعوا لافتات تؤكد على انتمائهم القومي ووطنيتهم السورية.
الطريق نحو الجمهورية السورية الجديدة
يطالب الأكراد بإعادة تعريف الدولة تحت اسم «الجمهورية السورية»، بما يعكس تنوعها العرقي والديني، ويمنحهم حق تقرير مصيرهم الثقافي والسياسي. مدرسة اللغة الكردية، سرخبون، أوضحت: «نحن نعيش بسلام مع الجميع، لكن نريد اعترافًا بهويتنا، ولغتنا، وثقافتنا». وبينما تبدأ اللجان الفنية عملها لتنفيذ الاتفاق حتى مطلع العام المقبل، تترقب الأنظار مدى قدرة دمشق على احترام تعهداتها، وتمكين الأكراد من دورهم في مستقبل سوريا الجديد.