الأحد 23 مارس 2025 12:17 مـ 24 رمضان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

قصر السودان المسكون.. من غوردن إلى البرهان تاريخ من الدم والخلع

السبت 22 مارس 2025 04:38 مـ 23 رمضان 1446 هـ
القصر الجمهوري السوداني
القصر الجمهوري السوداني

في قلب الخرطوم وعلى ضفاف النيل، يقف القصر الجمهوري السوداني كرمز للحكم والسيادة، لكنه أيضاً شاهد على سلسلة من الأحداث الدموية والانقلابات، حيث لم يغادر أي حاكم هذا القصر إلا بالقوة. بدأت القصة عام 1885 عندما سقط الجنرال البريطاني تشارلز غوردن برصاصة داخل القصر على يد «مرسال حمودة» أحد أنصار الثورة المهدية، ليقطع الثوار رأسه ويرفعوه على أسنة حرابهم، مُعلنين نهاية الحكم الأجنبي وبداية عهد جديد للبلاد. هذه اللحظة التاريخية رسمت أولى ملامح القصر كرمز للدم والصراع، وهو الإرث الذي لم يفارق جدرانه حتى اليوم.

الأزهري والنميري... حكام دخلوا وخرجوا بالقوة

بعد الاستقلال، جلس إسماعيل الأزهري على كرسي الحكم داخل القصر، لكنه لم يهنأ به طويلاً، إذ أطاح به انقلاب قاده الجنرال إبراهيم عبود عام 1958. عاد الأزهري لاحقاً خلال فترة الديمقراطية الثانية لكنه طُرد مجدداً بانقلاب جعفر النميري في 1969، الذي بدوره حكم السودان 16 عاماً قبل أن تخرجه ثورة شعبية غاضبة عام 1985. وبالوتيرة ذاتها، تقلد أحمد الميرغني الرئاسة مؤقتاً، لكنه خرج مكرهاً إثر انقلاب عمر البشير في 1989. سلسلة متكررة من الدخول إلى القصر والخروج منه عنوةً، وكأن لعنة غوردن لا تزال تطارد من يجلس على كرسيه.

البشير وقصر الصين... هدية أم تذكير بثأر قديم؟

عمر البشير، أطول من حكم السودان، زهد في القصر القديم وبنى لنفسه قصراً حديثاً أطلق عليه اسم «قصر الصين»، قيل إنه هدية من بكين. اللافت أن البشير اختار افتتاح القصر الجديد في ذكرى مقتل غوردن بالضبط، في 26 يناير، وكأنه يُسقط رمزية الماضي على الحاضر. هذا التوقيت لم يكن عبثياً، خاصة أن غوردن كان قد قمع ثورة الفلاحين في الصين قبل قدومه إلى السودان. فهل كانت هذه الهدية الصينية جزءاً من تصفية حساب تاريخي مع غوردن، عبر رمز جديد للسلطة؟ مهما يكن، لم يدم البشير طويلاً في قصره الفخم، إذ أطاحت به ثورة شعبية عام 2019، لتكتمل حلقة جديدة من حلقات اللعنة.

البرهان وحميدتي... لعنة تتجدد

بعد البشير، تولى الفريق عبد الفتاح البرهان قيادة البلاد، إلى جانب نائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي». لكن القصر لم يسلم من صراعهما، فقد اندلعت بينهما حرب عنيفة انتهت بطرد البرهان من القصر، الذي سيطر عليه «الدعم السريع». ومع استمرار المعارك، دُمر القصر وتحول إلى أطلال، قبل أن يعود البرهان مؤخراً إلى موقع الحكم، لا في قصره الجديد ولا القديم، بل في حطام المكان. فهل أطفأت القذائف والمقاتلات لعنة هذا القصر؟ أم أنه سيستمر كرمز للدماء والانقلابات؟

أسرار القصر... بين فخامة الصين ودماء غوردن

القصر الجديد الذي شيّدته الصين يضم ثلاثة طوابق فاخرة، مع 14 مصعداً و10 قاعات اجتماعات، ويقال إن تكلفته بلغت نحو 45 مليون دولار. لكن رغم فخامته، لم يمنح القصر الجديد الاستقرار لأي من ساكنيه. أما القصر القديم، فقد ظل شاهداً على كل مفصل من تاريخ السودان السياسي، من استقلال البلاد إلى الانقلابات والاغتيالات. وبين هذين القصرين، تتجلى حكاية بلد ظلّ حكمه محفوفاً بالدماء، وسط تساؤلات لا تنتهي: هل هي لعنة المكان، أم فشل متجدد في صناعة استقرار دائم؟