إسرائيل تهدد سوريا الجديدة وتكشف عن أهدافها الخبيثة.. كيف سترد دمشق؟

هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من مسؤوليه دمشق، مؤكدين أن إسرائيل "ستضرب النظام السوري الجديد إن اقترب من الدروز"، مشيرين إلى أنه "لا سلاح في الجنوب ولا جيوش تتحرك على حدودنا"، في إشارة واضحة إلى الخطوط الحمراء التي تضعها تل أبيب في المشهد السوري الجديد، كما شدد نتنياهو على أن الجيش الإسرائيلي مستعد لتنفيذ ضربات في قلب سوريا لحماية المصالح الإسرائيلية.
منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، تعيش تل أبيب حالة من الحيرة بين الفرح بسقوط المشروع الإيراني والحزن على رحيل من حمى حدودها لأكثر من نصف قرن، إلا أن الأيام كشفت أهداف إسرائيل الحقيقية، حيث تتركز كلمات السر حول "تركيا وروسيا"، فقد كشفت أربعة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" أن تل أبيب تمارس ضغوطًا كبيرة على واشنطن لضمان بقاء سوريا ضعيفة ومجزأة، مع إقناعها بضرورة السماح بوجود عسكري روسي في حميميم وطرطوس لمواجهة النفوذ التركي.
إسرائيل تضغط على واشنطن وتحذر من النفوذ التركي
بحسب مصادر إسرائيلية، فقد تسلمت واشنطن مذكرة وُصفت بـ"الكتاب الأبيض" تتضمن النقاط الأساسية للموقف الإسرائيلي من الوضع السوري الجديد، ويعتقد خبراء أمريكيون أن هذا الكتاب سيلعب دورًا مهمًا في رسم سياسات واشنطن تجاه سوريا، في هذا السياق، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن تحركات إسرائيلية جديدة لتعزيز العلاقات مع روسيا بهدف كبح النفوذ التركي في سوريا، حيث أوفد نتنياهو سكرتيره العسكري رومان جوفمان إلى موسكو لعقد سلسلة اجتماعات أمنية ودبلوماسية، سعيًا لتعزيز التعاون مع روسيا وتأمين المصالح الإسرائيلية في المنطقة.
إسرائيل تبدو اليوم واضحة في تفضيلها النفوذ الروسي في سوريا على حساب النفوذ التركي، وتسعى بنشاط إلى الحد من تمدد أنقرة، خصوصًا مع المؤشرات على مساعي تركية لإنشاء قواعد عسكرية وتدريب الجيش السوري الجديد، القلق الإسرائيلي لا يقتصر على تركيا فقط، بل يمتد أيضًا إلى السلطة الجديدة في سوريا، حيث تواصل تل أبيب الضغط على الولايات المتحدة لضمان بقاء سوريا ضعيفة، بل وتدعم بقاء القواعد العسكرية الروسية هناك لموازنة النفوذ التركي.
إسرائيل تفرض معادلتها الخاصة وتوسع تدخلها العسكري
في الوقت الذي يخطط فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاء نظيره السوري أحمد الشرع لمناقشة ترتيبات أمنية جديدة في دمشق، تستمر إسرائيل في فرض معادلتها الخاصة، حيث توغلت قواتها داخل الأراضي السورية بعد انسحاب الجيش السوري المنحل. كما شدد نتنياهو على أهمية استمرار التواجد العسكري الإسرائيلي في مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ والمنطقة العازلة جنوب سوريا.
التصعيد الإسرائيلي لم يقتصر على التصريحات، بل نفذ الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية داخل سوريا، وأكدها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، مشددًا على أن هذه العمليات تأتي ضمن السياسة الجديدة لنزع السلاح في الجنوب السوري، ومحذرًا من تحول جنوب سوريا إلى نسخة أخرى من جنوب لبنان.
الملف الدرزي والتدخل الإسرائيلي المحتمل
الملف الدرزي كان حاضرًا بقوة في التحركات الإسرائيلية، حيث توعد كاتس بالتدخل العسكري إذا تعرض الدروز في سوريا لأي تهديد من قبل النظام الجديد، وذلك بعد اشتباكات في جرمانا بريف دمشق الجنوبي. ورغم أن الحادثة انتهت سلميًا وأكد دروز جرمانا أنهم لا يريدون الحماية من إسرائيل، إلا أن الأخيرة تستغل أي ثغرة للدخول إلى سوريا.
في خطوة تعيد إحياء مشروع قديم، تلمح تل أبيب إلى إمكانية دعم كيان درزي مستقل في المنطقة الممتدة بين دمشق والسويداء، كحاجز جغرافي بين سوريا وإسرائيل. هذه الفكرة ليست جديدة، بل طرحت لأول مرة بعد حرب 1967، لكنها تعود إلى الواجهة مع تصاعد التصريحات الإسرائيلية حول إمكانية تعزيز علاقاتها مع الدروز. وقد صرح كاتس بأن إسرائيل ستبقى متمركزة على قمة جبل الشيخ والمنطقة العازلة لفترة غير محددة لحماية أمن مستوطنات الجولان والشمال.
إسرائيل تسعى لتوظيف البعد الاقتصادي لتعزيز نفوذها
بحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، فإن تل أبيب لا تكتفي فقط بدعم هذه الفكرة، بل ربما تدفع نحوها بشكل أكثر وضوحًا، إذ ترى في الحكم الذاتي للدروز حاجزًا استراتيجيًا يعزل سوريا عن حدودها. كما أن البعد الاقتصادي حاضر بقوة، حيث تشير التقارير إلى أن فتح الحدود أمام العمال الدروز السوريين للعمل في الجولان قد يكون جزءًا من الصفقة، إذ ترى إسرائيل في ذلك فرصة لتوظيف عمال ذوي خبرة في البناء والزراعة بتكاليف أقل مقارنة بالعمالة القادمة من تايلاند والهند.
ما هي الأهداف الحقيقية لإسرائيل؟
منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، تحركت الدبابات الإسرائيلية لاختراق المنطقة العازلة على الحدود، وسرعان ما وصلت إلى قمة جبل الشيخ الاستراتيجية لحماية حدودها ومنع أي تهديدات محتملة، تدرك إسرائيل اليوم أنها فقدت النظام الذي كان يمنع الهجمات ضدها، لذلك تحركت بسرعة لفرض واقع جديد على الأرض يساعدها في التفاوض على مستقبل سوريا.
على الجانب الآخر، تعيش العلاقات بين تل أبيب وأنقرة أسوأ مراحلها منذ سنوات، مما يزيد من قلق إسرائيل، حيث تحاول فتح قنوات تواصل مع تركيا، لكنها في الوقت نفسه تخشى تحركًا عسكريًا يدفع أنقرة إلى الاصطفاف مع سوريا، وهو ما سيشكل تحديًا استراتيجيًا كبيرًا لها.
بالتالي، تتحرك إسرائيل على الأرض وتضغط دبلوماسيًا على سوريا لضمان أحد خيارين: الأول، السماح لها بفرض منطقة عازلة جديدة تحمي من خلالها حدودها دون مشاكل؛ والثاني، أن تكون تركيا هي الضامن للسلطة الجديدة، لكن مع وجود روسي يضبط العلاقة، مما يحد من القلق الإسرائيلي تجاه تحركات منفردة قد تخرج عن السيطرة.
ومع المشهد السوري الذي انقلب في لحظة لم يتوقعها أحد، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، وإسرائيل لن تفوت أي فرصة لضمان أمنها على حساب بقية جيرانها.