الجمعة 7 فبراير 2025 01:22 صـ 9 شعبان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

الخميني والصوفية..!

الجمعة 20 أكتوبر 2017 10:19 مـ 30 محرّم 1439 هـ

قد يبدو العنوان غريبًا مدهشا لأول مرة، ليتبعه السؤال الإنكاري: وما علاقة الخميني بالصوفية؟!! لكن لا غرابة في عالم السياسة وعوالمها؛ فالخمينية نفسها حالة مزدوجة من الدين والسياسة أصلا..!

نتكلم عن الخمينية بما هي حالة جديدة للتشيع المعاصر، ثبتت على الأهداف وجددت في الوسائل كما أنها تشبثت بالهوية الفارسية التاريخية باطنا وتبدت بالدين الإسلامي ظاهرا..! مرة ثانية.. هل الخميني متصوف؟ سؤال غريب، جوابه أغرب، نعرض له بسهولة من نتاجاته العلمية شعرا ونثرا لا في مؤلف واحد فحسب؛ بل في أكثر من كتاب؛ ذلك أن التصوف لدى الخميني لا يحتاج إلى جدل أو إثبات بطريقة الحِجَاج العلمي أو الاستقراء المنطقي، فذلك ثابت في كتبه كما سنرى. السؤال الذي قد يبدغامضا وإجابته أصعب هو: لما ذا تصوف الخميني أصلا؟! وتتفرع من السؤال أسئلة: ما مصادر تصوفه؟ هل لهذا التصوف دلالات سياسية؟ وهل تصوفه سلوكي زهدي كتصوف الحسن البصري؟ أم تصوف فلسفي كالحلاج وابن عربي؟ هذا ما تجيب عنه السطور التالية..

1ـ الخميني والعرفان الصوفي العرفان في اللغة مصدر، ومعناه المعرفة، وعادة ما يستخدم للتعبير عن معرفة الله. وكل من يتوصل إلى معرفة ما عن الحقيقة والوجود فهو عارف، أي توصل في حدوده إلى معرفة الله، ويكون العرفان بهذا المعنى شاملاً؛ إذ يشمل تلك العجوز في زمن الرسول التي توصلت إلى وجود الله من حركة المغزل، ويشمل العارف السالك للمراتب المختلفة؛ فكل من له شكل من أشكال المعرفة بالله والوجود يسمى عارفاً؛ لكن لمعرفة الله درجات ومراتب؛ فتلك العجوز في مرتبة، وهذا العارف في مرتبة أخرى. إنّ العرفان المصطلح هو ما يصبو إليه التصوف؛ فهو معرفة قلبية بالله، تحصل نتيجة السلوك القلبي،

وقد استمر هذا السلوك بعد النبي والأئمة بين المتصوفة وأصبح منهجاً لهم. ومن هذه الناحية يمكننا القول بأنّ ما يميز العرفان عن التصوف هو أنّ التصوف طريقٌ والعرفان مقصده؛ وعلى هذا الأساس، أرى من العجيب الفصل بينهما وإن كان متعارفاً، وقد بدأ هذا التفكيك الخاطئ منذ أواسط الحكم الصفوي في إيران (905 – 1148هـ)، واشتد العمل به في السنوات الأخيرة، فكثيراً ما نسمع بأنّ جلال الدين الرومي كان عارفاً ولم يكن متصوفًا؛ فيما كتابه المثنوي ـ وهو المصدر في قراءة أفكاره ـ يعجُّ بالأشعار

والدلالات الصوفية؛ إذ ورد فيه عند تفسير الحديث النبوي: “من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف”، بغض النظر عن سند الرواية، فلا أريد الخوض في هذا الموضوع. وعلى أيّة حال، اعتبره الرومي حديثاً نبويا: من أراد مجالسة الرب فليجالس الأولياء. واعتبر أهل التصوف هم الأولياء.

. وعلى أية حال.. فالعرفان غاية التصوف، سواء لدى الشيعة أم السنة. ولا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات. يذكر عبداللطيف الحرز في كتابه: من العرفان إلى الدولة..

التصوف في فكر الإمام الخميني والشهيد الصدر أن الخميني قد ابتدأ مشواره التصوفي من وقت مبكر منذ دراسته في مدينة قم وهفي بواكير شبابه كما أنه قد قام بتدريس الكتاب الصوفي الشهير “شرح منازل السائرين” لعبد الرزاق القاشاني، مشيرا إلى أن الخميني بقي حريصا على تبسيط العرفان لعموم الشعب حتى نهاية عمره.

كما أنه يؤكد على أهمية العزلة باعتبارها أمرا ضروريا لمن لم يتكامل فيما الاختلاط ضروري لمن ثبتت الصفات الإيجابية في شخصيته. (انظر: من العرفان إلى الدولة التصوف في فكر الإمام الخميني والشهيد الصدر عبداللطيف الحرز دار الفارابي بيروت لبنان ط:؟ 2011م ، 107.) الصوفية في شعره النص الشعري أساسا قائم على الصور والأخيلة باعتبارها ركائز شعرية إلى جانب اللغة والموسيقى وهما يصرفه عن معناه الأصلي “الحقيقي” إلى المعنى المجازي أما إذا كان النص الشعري ينحو منحىً صوفيا فالأمر أكثر من ذلك؛ إذ يغرق في الرمز ويتيه في الأخيلة والمعاني الغائصة بعيدا في عالم الأفكار الغامضة التي لا تُدرك إلا بالتأويل.. التأويل بما هو عملية فكفكة للنص لاستغوار مراد المتكلم في باطن النص لا في ظاهر اللفظ لمعرفة معنى المعنى لا المعنى فحسب؛

ولهذا عادة ما تختلف فُهومات النقاد وتحليلاتهم الأدبية؛ كونه يُقرأ من أكثر من زاوية وبأكثر من لغة؛ لاسيما مع الإغراق في الرمزية كثيرا كما هو الشأن عند الحلاج وابن الفارض وابن عربي ومن المعاصرين أحمد بن علوان وعبدالرحيم البرعي وإن كانت الرمزية إلى الواقعية أقرب منها إلى السريالية لدى الأخيرَين.. أي لم يغص أيٌ منهما في عالم الرمز بعيدا كما فعل غيرهم فالإشارات الرمزية كما هي وليدة الخيال في منشئها من قبل “المرسل” فهي ابنة الخيال والتخييل أيضا في تفسيرها وتأويلها من قبل “المتلقي” واستنطاق مدلولاتها لا تفسيرات معانيها “سيميائيا” باعتبار المدلول أعمق من المعنى الذي يتناول التفسير السطحي الأولي للفظ؛ فلفظة “الخمر”

في الشعر الصوفي لا تعني الشراب المسكر والمعروف بقدر ما هي إشارة عميق الغور إلى التوحيد الخالص والتفاني الكلي حد الاتحاد والحلول مع ذات المعبود اتحاد روحي ينسى الجسد فيها الروح أتنسى الروح الجسد في عملية تماهي كما تفعل الخمرة في لحظات الانتشاء وهل الانتشاء الصوفي إلا التفاني والاتحاد مع الذات العلية للوصول إلى “النيرفانا” الصوفية. وقد عرفت هذه الحالة عند الصوفيين بشكل عام بما عرف بخمريات الصوفيين وعلى رأسهم الشاعر الصوفي المعروف ابن الفارض. يقول ابن الفارض: شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة ً

سَكِرْنا بها من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يديرها هِلالٌ وكم يبدإذا مُزِجَتْ نَجمُ ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها وللا سناها ما تصوَّرها الوهمُ ولم يُبْقِ مِنها الدَّهْرُ غيرَ حُشاشَة ٍ كأنَّ خَفاها في صُدورِ النُّهى كَتْمُ فإنْ ذكرتْ في الحيِّ أصبحَ أهلهُ نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ ومنْ بينِ أحشاءِ الدِّنانِ تصاعدتْ ولم يَبْقَ مِنْها في الحَقيقَة ِ إلاّ اسمُ وإنْ خَطَرَتْ يَوماً على خاطِرِ امرِىء أقامَتْ بهِ الأفْراحُ وارتحلَ الهَمُ ولو نَظَرَ النُّدمانُ ختْمَ إنائِها لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ وانْتَعَشَ الجسْمُ ولو طرحوا في فيء حائطِ كرمها عليلاً وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ ولقرَّبوا منْ حلها مقعداً مشى وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ ولعبقتْ في الشَّرقِ أنفاسُ طيبها وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ إلى أن يقول: يقولونَ لي صفها فأنتَ بوصفها خَبيرٌ أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ صفاءٌ ولا ماءٌ ولُطْفٌ ولاهَواً

ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جسمُ تقدَّمَ كلَّ الكائناتِ حديثها قديماً ولا شَكلٌ هناكَ ولا رَسْمُ وقامَتْ بِها الأشْياءُ ثَمّ لحِكْمَة ٍ بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لالهُ فهمُ وهامتْ بها روحي بحيث تمازجا اتّـحاداً ولا جرمٌ تخلَّلهُ جرمُ وكَرْمٌ ولا خَمْرٌ ولي أُمُّها أُمُّ وكرمٌ ولا خمرٌ وفي أم‍ِّها أمُّ ولُطْفُ الأواني في الحَقيقَة ِ تابِعٌ للطفِ المعاني والمعاني بها تنمو وقدْ وقَعَ التَّفريقُ والكُلُّ واحِدٌ فأرواحنا خمرٌ وأشباحنا كرمُ ولا قبلها قبلٌ ولا بعدَ بعدها وقبليَّة ُ الأبعادِ فهيَ لها حتمُ ويقول الخميني شعرا: الخمر والحانة.. ألا أيها الساقي املأن بالخمر كأسي فإنه يخلصن من الخير والشر روحي املأن كأسي بالخمر تفنى روحي وأخرج وجود الخداع والخيال من وجودي أعطني من تلك الصهباء التي في مختلى المجانين الخارجين تحطم سجودي وتهدم قيامي. وأيضا: جنون عاشق الحسان يتأتى من الخمر وسكر عشاق الله يتحقق من سَطلنا فاجعلوا أيها المجان من الحانة روضة لأن طائر الجنة السكران يحادثنا فصب في كأسي أيها الساقي صهباءك فهذا الدن المليء بالخمر هسبب كرامتنا ذات الشأن في الخمرة “المدامة” أيضا في ليلى التي رمز بها المتصوفة للذات العلية باعتبارها رمزا لكل جميل يقول ابن الفارض في ليلاه الروحية: أبَرْقٌ بـدا مـنْ جانِـبِ الغَـوْرِ لامـعُ؟

أمِ ارْتَفَعـتْ عـنْ وجهِ ليلي البراقِـعُ؟ نعـمْ أسفـرتْ ليـلاً فـصـارَ بوجهـهـا نهـاراً بــهِ نــورُ المحـاسـنِ سـاطـعُ لـمَّـا تجـلَّـتْ للقـلـوبِ تزاحـمـتْ عـلـى حُسنـهـا للعاشقـيـنَ مـطـامـعُ لِطلعتهـا تَعْـلو الـبـدورُ ووجْهُـهـا لـهُ تسـجـدُ الأقـمـارُ وهــيَ طـوالـعُ تجمَّعـتِ الأهــواءُ فيـهـا وحُسنـهـا بـديـعٌ لأنــواعِ المـحـاسـنِ جـامــعُ سكرتُ بخمـرِ الحـبِّ فـي حـانِ حَيِّهـا فــي خـمـرهِ للعاشقـيـنَ مـنـافـعُ تواضَـعْـتُ ذلاًّ وانخِفـاضـاً لِعـزِّهـا فَشَـرَّفَ قَـدْري فـي هواهـا التَّـواضـعُ فإنْ صـرتُ مَخفـوضَ الجنـابِ فحبُّهـا لِقَـدْرِ مَقـامـي فــي المحـبَّـةِ رافِــعُ وإنْ قَسَمَـتْ لــي أنْ أعـيـشَ متيَّـمـاً فشوقـي لهـا بيـنَ المحبِّـيـنَ شـائعُ يقـولُ نسـاءُ الحـيِّ:

أيــنَ دِيــارهُ؟ فقـلـتُ: دِيـــارُ العاشـقـيـنَ بـلاقِــعُ فإنْ لمْ يكـنْ لي فـي حِماهـنَّ مَوْضِـعٌ فلي في حِمى ليلى بليلي مـواضِعُ هوَى أُمِّ عمرٍجَدَّدَ العُمـرَ في الهـوَى فهـا أنا فيـهِ بَعـدَ أنْ شِـبـتُ يافِـعُ ولـمَّـا تراضَعْـنـا بِمَـهْـدِ وَلائِـهـا سَقَتْـنـا حُمَـيَّـا الـحُـبِّ فـيـهِ مـراضـعُ وألقى علينـا القـربُ منـها مَحَـبَّـةً فهـلْ أنتَ يا عَصْـرَ التَّراضـعِ راجعُ وما زِلتُ مـذْ نيطَـتْ علـيَّ تَمائمـي أبـايِـعُ سُلـطـانَ الـهَــوَى وأتـابــعُ لـقـدْ عرَفَتـنـي بـالـوَلا وعرَفتُـهـا ولـي ولهـا فـي النَّشأتـيـنِ مَطـالِـعُ وإنِّـي مُـذْ شاهَـدْتُ فـي جَمالـهـا بِـلَـوْعَـةِ أشْـــواقِ المَـحَـبَّـةِ وَالِـــعُ وفي حضرةِ المحبـوبِ سـرِّي وسرُّهـا مـعـاً ومَعانـيـهـا علـيـنـا لـوامِــعُ وكـلُّ مَقـامٍ فـي هواهـا سلَكـتُـهُ ومـا قطَعَتنـي فيـه عنـهـا القَـواطِـعُ بِـوادي بَـوادي الحُـبِّ أرْعـى َمالَهـا ألا فـي سبيـلِ الحـبِّ مــا أنا صـانعُ صبـرتُ علـى أهوالِـهِ صَبـرَ شاكِـرٍ وما أنا في شيء سـوَى البُعدِ جازعُ عزيـزةَ مِصْـرِ الحُسـنِ إنَّـا تجـارهُ لـيـسَ لـنــا إلاَّ الـنُّـفـوسَ بـضـائـعُ لأرضــكَ فـوَّزنـا بـهـا فتصـدَّقـي عليـنـا فـقـدْ نَـمَّـتْ عليـنـا المـدامـعُ عسى تَجعَلـي التَّعويـضَ عنهـا قَبولَهـا لِيَـرْبَـحَـهُ مِـنَّــا مَـبـيــعٌ وبـائِــعُ خليلـيَّ إنِّـي قـدْ عَصَيـتُ عَواذِلـي مُطـيـعٌ لأمْـــرِ العـامِـريَّـةِ سـامــعُ فقولا لهـا: إنِّـي مُقيـمٌ علـى الهَـوَى وإنِّــي لِسُلـطـانِ المحـبَّـةِ طـائــعُ وقولا لها: يا قُـرَّةَ العيـنِ هـلْ إلـى لِـقـاكَ سبـيـلٌ ليـسَ فـيـهِ مـوانـعُ؟ ولـي عندهـا ذَنْـبٌ برؤيـةِ غيـرهـا فهـلْ لـي إلـى ليلى المليحـةِ شـافـعُ سَلا: هلْ سَلا قلبي هَواهـا وهـلْ لـهُ سِـواهـا إذا اشـتدَّتْ علـيـهِ الوقـائـعُ؟

فيـا آل ليـلـى ضيفـكـمْ ونزيلـكـمْ بحيِّكـمُ يـا أكــرمَ الـعُـرْبِ ضــارعُ قِــرَاهُ جَـمـالٌ لاجِـمـالٌ وإنَّــهُ بـرؤيـةِ ليـلـى مُنْـيَـةِ القـلـبِ قـانـعُ إذا مـا بَـدَتْ ليلـى فكـلِّـي أعْـيُـنٌ وإنْ هــيَ ناجتـنـي فكـلِّـي مَـسـامِـعُ مِسْـكُ حديثـي فـي هَواهـا لأهلِـهِ يَضـوعُ وفـي سَمـعِ الخليِّـيـنَ ضـائـعُ تجافتْ جُنوبي في الهوى عنْ مضاجعي ألا أنْ جفتنـي في هَـواهـا المضـاجـعُ وسِـرْتُ بركـبِ الحُسـنِ بيـنَ محامـلِ وهَـوْدَجُ ليلـى نـورُهـا مـنـهُ سـاطـعُ ونـادَيْـتُ لـمَّـا أنْ تـبـدَّى جَمالُـهـا: لعَمْـرُكَ يــا جَـمَّـالُ قلـبـيَ قـاطـعُ فسيروا علـى سَيـري فإنِّـي ضعيفُكـمْ وراحِلَـتـي بـيـنَ الـرَّواحـلِ ضـالِـعُ ومِـلْ بـي إليهـا يـا دليـلُ فإنَّنـي ذليـلٌ لهـا فـي تِـيهِ عِشـقـيَ واقِــعُ لَعَلّـيَ مِـنْ ليلـى أفــوزُ بنـظـرةٍ لهـا فــي فــؤادِ المُسْتهامِ مـواقـعُ وألتـذُّ فيـهـا بالحـديـثِ ويَشتـفـي غليـلُ علـيـلٍ فــي هـواهـا يُـنـازعُ فيـا أيُّهـا النَّفـسُ الَّتـي قـدْ تحجَّبـتْ بـذاتـي وفيـهـا بَدرُهـا لي طـالـعُ لئـنْ كنـتِ ليلـى إنَّ قلـبـي عـامـرٌ بحـبِّـكِ مجـنـونٌ بوَصْـلِـكِ طـامــعُ رأى نسخـةَ الحـسـنِ البـديـعِ بـذاتِـهِ تَـلـوحُ فــلا شــئٌ سـواهـا يُطـالـعُ فيـا قلـبُ شاهـدْ حُسنـهـا وجَمالـهـا ففيـهـا لأســرارِ الجَـمالِ وَدائـــعُ تنقـلْ إلــى حــقِّ اليقـيـنِ تنـزُّهـاً عـن النَّقـلِ والعقلِ الذي هـو قاطـعُ فإحيـاءُ أهـلِ الحـبِّ مـوتُ نفوسِـهـمْ وقــوتُ القـلـوبِ العاشقـيـنَ مـصـارعُ وكـمْ بيـنَ حُـذَّاقِ الجـدالِ تَنـازُعٌ ومــا بَـيـنَ عُـشَّـاقِ الجَـمـالِ تـنـازعُ وصاحِبْ بموسَى العَزْمِ خِضْـرَ ولائهـا ففـيـهِ إلــى مــاءِ الحـيـاةِ منـافـعُ فأنـتَ بهـا قَـبـلَ الـفِـراق مُنَـبّـىءٌ بتـأويلِ عِـلمٍ فـيـكَ مـنـهُ بـدائــعُ لقدْ بسطـتْ فـي بحـرِ جسمـكَ بَسطـةً أشــارتْ إليـهـا بالـوفـاءِ أصـابــعُ فيـا مُشتَهاهـا أنـتَ مقيـاسُ قُدْسِهـا وأنتَ بهـا فـي روضـةِ الحسـنِ يانـعُ فقَـرِّي بـهِ يـا نَـفْـسُ عيـنـاً فـإنَّـهُ يحـدِّثـنـي والمُـؤنِـسـونَ هــواجــعُ فمـا أنـتِ نفـسٌ بالعُـلا مُطمئـنَّـةٌ وسِـرُّكِ فـي أهــلِ الشـهـادةِ ذائــعُ لقـدْ قُلْـتَ فـي مَبـدإِ ألَسْـتُ بِرَبِّـكـمْ: بَـلى قـدْ شَهِـدْنـا والــوَلا مُتتـابـعُ فيـا حـبَّـذا تـلـكَ الشـهـادةُ إنَّـهـا تُـجـادِلَ عَـنِّـي سـائِـلـي وتُـدافــعُ وأنجـبهـا يـومَ الــوُرودِ فإنَّـهـا لقائِلِـها حِـرْزٌ مـنَ الـنَّـارِ مـانــعُ هـيَ العُـرْوَةُ الوُثْقَـى بهـا فتَمَسَّـكي حَسْبـي بهـا أنِّــي إلــى اللهِ راجــعُ فيـا رَبُّ بالخِـلِّ الحبـيـبِ نبيِّـنـا رَسـولِـكَ وهــالسـيِّـدُ المـتـواضـعُ أنِلْنـا مـعَ الأحبابِ رؤيـتـكَ الَّـتـي إليـهـا ٌقلوبُ الأولـيــاءِ تـســارعُ فبَابُـكَ مَقـصُـودٌ

وفَضْـلُـكَ زَائِــدٌ وجُـودُكَ مَوْجـودٌ وعَـفـوُكَ وَاسِــعُ هذه لابن الفارض قديما، أما الخميني فيقول في قصيدة أخرى، تكاد تكون ترجمة حديثة لها باللغة الفارسية، بعنوان: العشق قلبي المجنون هو أسطورة العالم وبشمع العشق احترقت فراشتي هدير الرعد هو نواح قلبي المحروق بروحي وبحر العشق هو قطراتي السكرانة دار العشق مشيدة ومنزل العشاق المحزونين وقاعدتهما تعلو بوابة العرش الأعلى لن أسجد إلا على قدم محبوبي ولن أضحي بروحي إلا في هوى حبيبي استرق العشق المجنون لكنه لم يكن مثلي فليت أحدا لا يبتلى مثلي بالحبيب يقول مقدم ديوانه الشعري “الفناء في الحب” عن الزمزية الشعرية التي يشير إليها الخميني، وهي رمزية أيضا لدى بقية أغلب شعرء التصوف: “الحبيب الآسر عنده ذو الشَّعر الوَتَر والعين الغمازة والخد الأسيل هو حبيب الوجود الأوحد، هو الله سبحانه، خالق الجمال، وسيد الجمال، ومنتهى الجمال. والخمرة التي يسكر منها هي خمرة العشق والشوق إلى الوصول إليه، والحانة التي يرتادها ويحبها هي معبده الذي يخلو فيه إلى حبيبه ويعب فيه، ويعب من ذلك الشراب اللَّذ الذي لا يداني سكره سكر، ولا تقارب نشوته نشوة”.

(مقدمة كتاب: الفناء في الحب، ديوان شعر، روح الله الموسوي الخميني، دار التعارف، 3.) أنا المفتون بجمال حبيبي أنا الطليق من جنتي العلية أنا من بغمزة من عيون ورديات الخدود أستغني عن دلال الحور العين وبلسان بعيد عن كل لسان أقول في محفل حساني المدللات يا نقطة عطف سر الوجود ارفع عن المحب كأس السُّكر. (للخميني ديوان شعر بعنوان: الفناء في الحب. أغلبه مناجاة عرفانية على طريقة الحلاج، طبع بعد وفاته، ولم يكن يعرف الكثير من أصدقائه أنه شاعر حتى وفاته). الصوفية في نثره: في نثره كما في شعره، تتجلى مدرسة ابن عربي بما هي حالة “تجلياتية” ميتافيزيقية، حيث تأثر به الخميني، كما تأثر بصدرالدين الشيرازي، الملقب بصدر المتألهين، ت: 1050هـ. الذي مثل بدوره امتدادا لابن عربي، ولكن بنسخة أصفهانية فارسية، جمعت إلى جانب فكر ابن عربي الثقافة التي كانت تعج بها بلاد فارس في بداية العهد الصفوي، وقد تحول التشيع إلى أيديولوجيا رسمية للدولة، ولم يعد مجرد فكر أو معتقد مفصول عن المسار السياسي للدولة. يقول في إحدى وصاياه: “حاذري أن تنكري مقامات العارفين والصالحين، إذا لم تكوني أهلا للحكم أو لم تبلغي مقام ذلك، وإياك أن تعتبري مخالفتهم من الواجبات الدينية، فإن كثيرا مما يقولونه مشار إليه بشكل خفي أو إجمالي في القرآن الكريم، وبشكل أكثر وضوحا في أدعية أهل العصمة..”. (المظاهر الرحمانية، رسائل الإمام الخميني العرفانية، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، ط:1، 1995م، 52. ) ويضيف في فلسفة عرفانية صوفية خالصة: “إن أولئك الذين ينكرون مقامات العارفين ومنازل السالكين إنما ينكرونها لأنهم أنانيون مغرورون، فهم لا يحملون ما لا يعرفون على جهلهم؛ لذا ينكرونه حتى لا تمس أنانيتهم وعجبهم بأنفسهم ـ أم الأصنام، صنم النفس ـ وما لم يتم تحطيم هذا الصنم والقضاء على هذا المارد فلا سبيل للوصول إليه جل وعلا..”.(نفسه، 53.)

ومن يتصفح كتب الخميني يجدها مكتنزة بالعرفان الإلهي “الصوفي” وكذا الأدعية والأوراد اللاهوتية المتأثرة بالحلاج وابن عربي والجيلي وصدر المتألهين وغيرهم من أعلام ورموز الصوفية. (للخميني كتاب: تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس.) 2ــ الخميني ووحدة الوجود الصوفية كما أشرنا سابقا، نظرية وحدة الوجود خليط من الثقافة الهندية الفارسية الإسلامية، مثلها مثل نظرية الاتحاد والحلول المنسوبة للحلاج، فيما هي فكر سائد لدى قدامى الهند والفرس. وقد قال بنظرية وحدة الوجود أغلبية المتصوفة، كما قال بها ايضا بعض الشيعة، وعلى رأسهم الخميني نفسه الذي عارض فكرة ابن عربي في صورتها الشعرية: لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحب أنّى توجــهت ركائبه فالحب ديني وإيـــماني يقول الخميني: والمسجد والصومعة والمعبد والدير والكنيسة وحيثما تمر يذكرك بمن هو سكينة فؤادي نحن حجب وأستار وأنقاب وألثام وهذه الحجب هي نفسها سري الغامض وإذا كان ابن عربي وأتباعه يرون أن كل مخلوق في الأرض هو عين الله الناطقة فإن الخميني يرى نفس الرؤية، بلغة مخففة؛ إذ يراها أسماء الله. “..إن جميع موجودات العالم هو أسماء الله وآيات الله،

ويمكن لكافة العقول إدراك هذه الحقيقة ومعرفة أن كل العالم أسماء الله”. (تفسير آية البسملة، محاضرات معرفية، الإمام الخميني، دار الهادي، بيروت، لبنان، ط:1، 1992م. 19.) وهذه الرؤية أيضا هي رؤية الإمام الجيلي، أحد تلاميذ ابن عربي، ت: 805هـ؛ حيث يقول: “وليس لتجلي الأحدية في الأكوان مظهر أتم منك إذا استغرقت في ذاتك، ونسيت اعتباراتك، وأخذت بك فيك عن ظواهرك، فكنت أنت، في أنت، من غير أن يُنسبَ إليك شيء مما تستحقه من الأوصاف الحقيَّة”. (الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، عبدالكريم بن إبراهيم الجيلي، تحقيق: أبي عبدالرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1997م. 47.) لماذا تصوف الخميني؟ عن الإجابة عن السؤال المطروح آنفا.. لما ذا تصوف الخميني؟ نقول: كثير من قادة الفكر الإسلامي المعاصرين كانوا ذوي ميول صوفية؛ لكنه تصوف سني معتدل، غير مغرق في الهرطقات والميثولوجيا، وعادة ما كانوا يختمون حياتهم بالميل نحو التصوف، مثل جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وأيضا رشيد رضا وتلميذه حسن البنا، ونخبة كبيرة من أشهر رجالات الأزهر، إضافة إلى عبدالرحمن الكواكبي وآخرين، وقد أراد الخميني مجاراتهم، باعتبارهم رموزا إسلامية لها حضورها الإقليمي؛ بل والعالمي لمنافستهم الأضواء المسلطة عليهم، إلا أنه ـ وبسبب خلفيته الثقافية المغايرة لهؤلاء ـ قد أوغل في التصوف الفلسفي، الغارق في الأساطير،

بحكم بيئة فارس الجدلية، فبدا امتداد للحلاج وابن الفارض وابن عربي، كما تشي نتاجاته الفكرية شعرا ونثرا. وهو امتداد أسطوري كان له نظيره المؤسطر في ثقافة وفكر الشيعة أصلا، فاجتمعت الخرافة بالخرافة، والتقت الأسطورة بالأسطورة، في عملية ليست جديدة أصلا، لأن ثمة تصوفا تشيُّعيًا، كمان كان عليه حال التصوف في العصر الفاطمي، وأيضا بعض المدارس في العصر العثماني، وبالتالي فلم يأت الخميني بجديد يذكر في هذا الجانب. هذا من ناحية موضوعية.. ومن ناحية سياسية فأقرب الفصائل الإسلامية إلى فكر وثقافة؛ بل وسياسة الشيعة هو الفكر الصوفي على اختلاف مدارسه، على تفاوت بينها في القرب والبعد؛ إنما التصوف في محصلته النهائية في خدمة التشيع كفكر، كما هو في خدمة الأنظمة السياسية كمصلحة وسياسة معا، وبالتالي فقد أراد الخميني أن يجعل لفكره “حامية” فكرية وثقافية من خارج بنية الفكر الذي تبناه رسميا وهو الفكر الشيعي، ويجمع بين السياسة والدين في أسوأ تحالف كهنوتي ديني وسياسي، فعمل على تشجيع التصوف لمن لم يرق لهم التشيع، متقربا منهم؛ لاسيما ومسرح نشاطه إيران التي تعج بمختلف المشارب الفكرية والثقافية والأدبية التي لا حصر لها، وأن يتبنى أكثر من خيار في نفس الوقت أفضل من تبنيه لفكر واحد فقط، وإن كان الفكر الشيعي هو معتقده الأول والأخير.

أما إذا علمنا أنه قد نظم ديوانا شعريا بطابع صوفي في آخر حياته فقد اتضحت الأمور من كل جوانبها، ولم يكن الكثير يعرفون عنه أنه شاعر في حياته قط، ولم يعرفوا ذلك إلا بعد مماته، حين عمل نجله أحمد على نشر ديوان شعري له بالفارسية عقب موته، وكان شعرا فلسفيا، يقترب من الطابع الشعري للحلاج وابن عربي، وبشكل عام فالشعر الصوفي ـ في غالبه ـ لا يمكن عده إلا في الشعر الفلسفي وكلما اقترب من الأغراض الشعرية الأخرى ابتعد عن كونه صُوفيًا خالصا. يقول عبداللطيف الحرز عن صوفية الخميني: “فالإمام الخميني استطاع أن يمزج بين القول والعمل، فكان علم الكلام والتفسير جزءا من البعد العرفاني لديه؛ أما السياسة فهي مرتبطة بالجانب الفقهي تارة، وبالتصوف تارة أخرى”. (من العرفان إلى الدولة، سابق، 102.) ويضيف في ذات الفكرة: “الذي نراه هو أن التصوف جزء أساسي من الطرح السياسي.. فالتصوف جزء أساسي في بنية الثورة ما دام هو موقف عملي للإنسان إزاء النفس والمجتمع والعالم؛ أما السياسة فإنها لا تكون غريبة عن العرفان إلا إذا تحول إلى باطنية وحلول؛ كذلك لا يتناقض التصوف مع الثورة إلا إذا غدا دروشة وطرائقية وتكايا وجنونا وهلوسة..”.

( نفسه، 105.) لقد حول الخميني مفهوم التصوف الذي انطبع في ذهنية الكثير وفقا لما وضعه الغزالي، إذ استطاع تحويله من نفحة غزالية إلى لفحة خمينية، بمعنى أنه نفخ فيه روح المقاومة والقتال، وأخرجه من زوايا الغزالي وتكاياه، فعمل على دمج رجالات العرفان مع رجالات السياسة، مزاوجا بينهما، لاستغلال ذلك سياسيا في مشروعه الجديد الذي حول مفهوم التصوف أساسا، كما أسس مدرسة تشيعية جديدة؛ بل لقد ذكر الحرز أنه كان يعمل على توظيف المصطلحات الصوفية في معركته السياسية. (نفسه، 117.) ما يبدو أكثر غرابة في كتابه “الحكومة الإسلامية” أنه ترجمة جديدة لأفكار سيد قطب من كتابه “هذا الدين” بلغة الخميني التجريدية لا بلغة قطب الأدبية، وهذا تأكيد أكثر على مدى استغلاله لكل الأفكار والأيديولوجيات لتوظيفها فيما يخدم مشروعه الجديد.! وكتاب قطب ذاته “هذا الدين” ترجمه إلى الفارسية علي خامنئي، التلميذ المقرب إلى الخميني، وذلك عام 1966م، وهو اليوم المرشد الأعلى في إيران ووارث عرش الخميني.