الجيش الذي ابتلعته الصحراء... مأساة غامضة عمرها آلاف السنين

في زمن كان فيه الملوك يقودون جيوشهم إلى المجهول، خرجت بعثة عسكرية فارسية ضخمة، مكونة من خمسين ألف مقاتل، بأمر من الملك قورش الثاني، لتعقب كهنة معبد آمون في واحة سيوة غرب مصر. غير أن ما كان يبدو مهمة عسكرية معتادة، تحوّل إلى مأساة غامضة حينما ابتلع الجيش بأكمله رمال الصحراء الليبية، ولم يعد أحد منهم قط، تاركًا وراءه لغزًا ما زال يحير المؤرخين حتى يومنا هذا.
المهمة الغامضة في قلب الصحراء
بحسب ما أورده المؤرخ الإغريقي هيرودوت، أرسل الملك قورش الثاني جيشه لمعاقبة كهنة معبد آمون الذين تحدّوا سلطته، ورفضوا الاعتراف بحكمه على مصر. تحرك الجيش عبر الصحراء، ووصل إلى واحة الكفرة، ثم واصل طريقه نحو واحة سيوة. في منتصف الطريق، وبينما كانت الشمس في ذروتها والرمال تلتهب تحت الأقدام، ضربت عاصفة رملية هائلة المنطقة، ويقال إنها استمرت لأيام، حتى اختفى الجيش تمامًا، وكأن الأرض ابتلعته.
بين الأسطورة والحقيقة
رغم أن القصة تبدو أقرب إلى الخيال، إلا أن عددًا من علماء الآثار والباحثين سعوا عبر القرون لكشف الحقيقة. محاولات عديدة أُجريت للعثور على بقايا الجيش المفقود، لكن النتائج كانت دائمًا مخيبة. لا دروع، لا أسلحة، لا عظام، فقط صمت الصحراء وسكونها المريب. البعض يرى أن ما حدث كان أسطورة نسجها هيرودوت، بينما يعتقد آخرون أن الجيش فُني بالفعل بسبب ظاهرة طبيعية نادرة كالعواصف الرملية المتحركة.
محاولات اكتشاف الحقيقة
في السنوات الأخيرة، أطلقت بعثات استكشافية حديثة مشاريع بحثية متطورة باستخدام تقنيات الرادار تحت الأرض، والتصوير الحراري عبر الأقمار الصناعية، لكن لا تزال النتائج غير حاسمة. في عام 2009، زعمت مجموعة من الباحثين الإيطاليين أنهم عثروا على مؤشرات لبقايا عسكرية تحت الرمال، إلا أن الأدلة لم تكن كافية لإثبات صلتها بالجيش الفارسي الضائع.
هل سنعرف الحقيقة يوماً ما؟
يبقى السؤال معلقًا بين أسطر التاريخ: هل فعلاً ضاع جيش فارسي بكامله في قلب الصحراء دون أي أثر؟ أم أن الحقيقة طُمست مع الزمن تحت كثبان الرمال المتحركة؟ مهما كانت الإجابة، فإن قصة الجيش الذي ابتلعته الصحراء ستظل واحدة من أكثر الألغاز إثارة في التاريخ القديم، تثير شغف المستكشفين وتغذي خيال الباحثين جيلاً بعد جيل.