الخميس 27 فبراير 2025 04:02 مـ 29 شعبان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

الحوثيون في بيروت: سقوط القناع وإعلان الولاء المطلق لإيران

الخميس 27 فبراير 2025 11:23 صـ 29 شعبان 1446 هـ

لم يكن ظهور وفود الحوثيين في بيروت لحضور جنازة حسن نصر الله حدثاً بروتوكولياً عادياً، ولم يكن مجرد إجراء دبلوماسي يندرج ضمن الأعراف السياسية، بل كان استعراضاً فجّاً لمدى الارتهان والانقياد المطلق للمشروع الإيراني.

جاءت هذه الخطوة لتؤكد حقيقة طالما حاول الحوثيون إنكارها أمام اليمنيين والعالم: أنهم ليسوا أكثر من بيادق صغيرة تتحرك وفقاً لأوامر الولي الفقيه، وأن مشروعهم الذي صدّروه طويلاً تحت غطاء الوطنية، لم يكن سوى امتدادٍ مباشِر لأجندة طهران التوسعية في المنطقة.

لقد ظل الحوثيون، على مدى سنوات، يحاولون إقناع الداخل اليمني بأنهم أصحاب “مشروع مستقل”، وبأن تحركاتهم تعكس إرادة يمنية خالصة، لكن جنازة نصر الله جاءت كاختبارٍ حاسمٍ كشف زيف هذا الادعاء، وأسقط ما تبقى من أوراق التوت التي تسترت خلفها الجماعة.

لم يكن الحضور الحوثي في بيروت حضوراً عابراً، بل كان أشبه بمشهد مسرحي مكتمل الأركان، يجسد حالة الولاء المطلق لطهران، ويعلن، بلا مواربة، أن الجماعة لا تملك قراراتها، بل تتحرك وفقاً لما تمليه عليها القيادة الإيرانية، حتى لو كان ذلك يعني الجري خلف جنازة رجل لم يعرف اليمن إلا كساحة صراع تحرقه نيران الوصاية الإيرانية.

بالنسبة لليمنيين، لم يكن حسن نصر الله سوى مجرم حرب آخر، ساهم بشكل مباشر في تصدير العنف والفوضى إلى بلادهم. لقد كان أحد أعمدة المشروع الإيراني، يشرف على تدريب الميليشيات المسلحة، يمدّها بالخبرات العسكرية، ويزودها بأحدث تقنيات التفخيخ والتسلل والتخريب.

من بيروت إلى صنعاء، كانت الأيادي الإيرانية تمتد عبر حزب الله لتشكيل المشهد الدموي، وتحويل اليمن إلى نسخة جديدة من الجنوب اللبناني، حيث تُفرض سلطة الميليشيات على الدولة، ويُرفع صوت السلاح فوق صوت القانون.

منذ أن تورط حزب الله في المستنقع اليمني، كانت بصماته واضحة في كل مكان: من شحنات الأسلحة المهربة إلى الدعاية الإعلامية، ومن الدورات التدريبية لعناصر الحوثيين إلى الحملات التحريضية ضد الحكومة الشرعية.

كان نصر الله الحاضن الأول للحوثيين، يفتح لهم شاشاته، ويمدّهم بالخطط والدعم اللوجستي، ويؤهلهم ليكونوا ذراعاً أخرى لطهران في جزيرة العرب. لهذا، لم يكن مستغرباً أن يهرعوا إلى بيروت وكأنهم يودّعون أحد قادتهم، لا مجرد حليف سياسي. لكن المثير للدهشة، والذي لم يعد بإمكان الحوثيين إخفاؤه، هو التناقض الفجّ في سلوكهم: ففي بيروت، ظهر الوفد الحوثي في مشاهد انكسارٍ وذلّ، محاولاً تقبيل الأيادي والأقدام لقيادات حزب الله، فيما هم في اليمن يمارسون دور الجلاد والسجّان ضد شعبهم. يسجنون المعارضين، يخطفون الناشطين والصحافيين، يصادرون الحريات، ينهبون الأموال والممتلكات، ويبطشون بكل من يخالفهم، كل ذلك تحت ذريعة “السيادة الوطنية” وشعارات “المسيرة القرآنية”.

لكن حين يكون المشهد في بيروت، تسقط عنهم كل ادعاءات الكبرياء، ويظهرون في حقيقتهم: أتباعٌ صغارٌ لمن صنعهم، وبيادقُ تُحركها الأوامر الإيرانية، وخدَمٌ مطيعون لمرشدهم الأعلى في طهران. الاندفاع الحوثي نحو بيروت لم يكن مجرد رد فعل عاطفي على وفاة نصر الله، بل كان استعراضاً سياسياً يراد منه تأكيد الولاء لمركز القرار في طهران، وتجديد البيعة للمشروع الإيراني في المنطقة.

لم يكن الحوثيون بحاجة إلى تقديم كل هذا القدر من الطاعة والامتنان لحزب الله، لولا إدراكهم العميق بأن بقاءهم ذاته مرهونٌ بالدعم الإيراني، وأن سلطتهم، التي فرضوها على اليمنيين بالقوة، لا تستند إلى شرعية شعبية، وإنما إلى السلاح الإيراني والخبرات اللبنانية والتخطيط الفارسي. هم يدركون تماماً أنهم ليسوا سوى امتدادٍ صغيرٍ لحزب الله، الذي بدوره ليس إلا ترساً في ماكينة طهران.

لهذا، لم يكن لديهم خيار سوى الظهور في بيروت كأتباعٍ أوفياء، يقدمون فروض الولاء والطاعة، حتى لو كان ذلك يعني سقوط آخر الأقنعة عن مشروعهم المزعوم. لقد جاءت جنازة حسن نصر الله لتكون لحظة الحقيقة التي لم يكن الحوثيون مستعدين لها. ففي الوقت الذي يحاولون فيه الترويج لأنفسهم كحركة يمنية ذات قرار مستقل، فضحتهم بيروت أمام الجميع. لم يعد بوسعهم الحديث عن “السيادة” و”الاستقلال”، وهم يهرولون وراء جنازة رجلٍ كان مجرد مندوبٍ آخر لسياسات إيران التخريبية. لم يعد بإمكانهم ادعاء المظلومية، وهم يظهرون في كامل ضعفهم أمام “الحزب الأم”، الذي علّمهم كيف يكونون ميليشيا تدين بالولاء للخارج، لا للوطن. اليمنيون اليوم يرون الصورة بوضوح أكثر من أي وقت مضى: الحوثيون ليسوا سوى امتداد لحزب الله، الذي لم يجلب إلى لبنان سوى الدمار والفقر والخراب، ولن يجلب إلى اليمن سوى المزيد من الفوضى والحروب العبثية التي لا تخدم إلا طهران وحدها. التاريخ مليء بالعِبَر لمن أراد أن يعتبر.

لم ينجُ عميلٌ من السقوط، ولم ينجُ تابعٌ من مصير المحتقرين. الحوثيون، الذين باعوا اليمن للمشروع الإيراني، لن يكونوا استثناءً. سيأتي اليوم الذي يُدركون فيه أن من يعيش على فتات الغير، لن يكون سوى ورقةٍ تُحرق عند أول منعطف.

من يربط مصيره بطهران، لن يجد إلا مصيراً مشابهاً لمصير نصر الله نفسه: زعيمٌ عاش خادماً لمشروعٍ خارجي، وانتهى دون أن يكون له أثرٌ خارج أجندة من صنعوه. وفي النهاية، فإن من يختار أن يكون تابعاً، عليه أن يتوقع أن يُستَخدَم إلى أن تنتهي صلاحيته، ثم يُرمى جانباً بلا قيمة.

والحوثيون اليوم، وقد باعوا كل شيء، لم يعد لهم سوى الانتظار، حتى يأتي يومٌ يُكتشف فيه أنهم لم يعودوا ضروريين لطهران، وحينها، سيجدون أنفسهم مجرد ذكرى عابرة، في قائمة طويلة من الأدوات التي استُخدمت، ثم استُغني عنها.