الأحد 23 فبراير 2025 02:36 صـ 25 شعبان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

لماذا تأخرت استعادة الدولة في اليمن؟ مقارنة مع السودان وسوريا

الأحد 16 فبراير 2025 03:00 مـ 18 شعبان 1446 هـ

تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعات معقدة تتباين نتائجها بناءً على طبيعة الدولة والمجتمع ومستوى التدخلات الخارجية. وفي حين تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على البلاد بعد صراع مع قوات الدعم السريع، وحققت المعارضة السورية انتصارات مرحلية، إلا أن اليمن ما يزال غارقًا في حرب ممتدة دون بوادر حسم. فما الذي يجعل الوضع اليمني أكثر تعقيدًا؟

دولة هشة قبل الحرب

لم يكن اليمن، قبل اندلاع الحرب في 2014، يتمتع بمؤسسات قوية قادرة على الصمود. عانت الدولة من ضعف مزمن في بنيتها الإدارية والسياسية، وارتبطت قراراتها الوطنية بولاءات قبلية ومناطقية، مما جعل استعادة الدولة أكثر صعوبة. وعلى النقيض، فإن السودان حافظ جيشه على تماسكه رغم الصراعات، وسوريا استفادت من تدخلات إقليمية غيّرت مسار الصراع لصالح بعض الفصائل.

ميدان معركة متعدد الفاعلين

بينما شهد السودان صراعًا بين طرفين رئيسيين (الجيش وقوات الدعم السريع)، وامتلكت المعارضة السورية تنظيمًا نسبيًا في بعض المراحل، خاصة في منطقة الشمال السوري ، واسست دولة مصغرة بجميع مؤسساتها ، بينما تحول اليمن إلى ساحة معركة بين أطراف متناحرة. الحكومة المعترف بها دوليًا، جماعة الحوثي، المجلس الانتقالي الجنوبي، والعديد من الجماعات القبلية والمليشيات المحلية، جميعها تتنافس على النفوذ بدلًا من توحيد الجهود، وفشلت في تحقيق الحد الأدني من الدولة ، سواء خدميا او مؤسسيا ، مما أعاق أي محاولة لاستعادة الدولة.

التحالفات المتناقضة وتأثير الجغرافيا

موقع اليمن الاستراتيجي جعل منه ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية. السعودية تدعم الحكومة الشرعية، بينما تسعى الإمارات لتحقيق أجندة مختلفة تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي. هذا التباين أضعف التحالف ذاته. في حين لعب الحوثي علي وتر هذا الموقع ، ليقدم نفسه كنصير لشعب فلسطين في غرة ما جعل الحرب اليمنية تأخذ بعدا عالمي ، أما في السودان، فالدعم الإقليمي كان أكثر اتساقًا، ما مكّن الجيش من استعادة السيطرة. في سوريا، أدى التدخل العسكري التركي والروسي إلى تغيير موازين القوى، وهو ما لم يتكرر في اليمن بالقدر ذاته.

التدخلات الخارجية وتأثيرها على الحسم

ساهم الدعم الإيراني للحوثيين في إطالة أمد الصراع، حيث زودهم بأسلحة متطورة وتكنولوجيا عسكرية، مما عزز من قدرتهم على الصمود. في المقابل، لم يحظَ الجيش اليمني بدعم مستمر ومكثف يمكّنه من الحسم. وفي سوريا، كانت التدخلات العسكرية المباشرة من قوى إقليمية ودولية أكثر وضوحًا، ما أسفر عن تغييرات ملموسة في المعادلة العسكرية.

الاقتصاد والانهيار الاجتماعي

العامل الاقتصادي هو أحد أبرز أسباب تأخر استعادة الدولة في اليمن. فمع انهيار البنية التحتية والعملة وتوقف المرتبات، تعذر تحقيق الاستقرار اللازم لإعادة بناء المؤسسات. على العكس من السودان، الذي حافظ على بعض مؤسساته الاقتصادية، وسوريا التي لا تزال مناطق خاضعة للنظام تتلقى دعمًا خارجيًا يساعدها على الاستمرار.

غياب النخب

النخب السياسية والفكرية تلعب دورًا حيويًا في قيادة التحولات، لكن النخب اليمنية افتقرت إلى التماسك والفاعلية مقارنة بالسودان وسوريا. في السودان، رغم الخلافات، استطاعت بعض النخب العسكرية والسياسية التأثير في مسار الدولة، وساهم الجيش المتماسك في فرض إرادته لاحقًا. في سوريا، حصلت بعض النخب المعارضة على دعم إقليمي وساهمت في تشكيل واقع مرحلي. أما في اليمن، فقد أدى انقسام النخب وانخراطها في محاور إقليمية متضاربة إلى تعقيد المشهد، وأصبحت بعض الشخصيات السياسية أداة في أيدي قوى خارجية بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل.

العبث بموقع الشرعية

التلاعب بموقع الشرعية الدستورية فاقم من تعقيد الوضع. تحولت الحكومة المعترف بها دوليًا إلى ساحة صراع بين قوى متنافسة بدلًا من أن تكون مظلة وطنية موحدة ، حيث تحول التغييرات في رأس السلطة دون احترام للاجماع اليمني ، او احترام لقواعد الدستور موضع جدل سياسي وقانوني كبير . في حين السودان، ورغم الاضطرابات، كانت هناك قيادة عسكرية مركزية قادرة على الحسم، وفي سوريا، امتلكت المعارضة هياكل بديلة للدولة. لكن في اليمن، أدت الانقسامات داخل الحكومة وبين القوى العسكرية إلى إضعافها وتآكل شرعيتها، مما عرقل استعادة الدولة.

المجتمع الدولي ودوره في الصراع

المجتمع الدولي تعامل مع الأزمات في اليمن وسوريا والسودان بطرق تعكس المصالح الجيوسياسية لكل صراع. في سوريا، كان التدخل الدولي واسع النطاق منذ البداية، حيث انخرطت قوى كبرى كروسيا وتركيا وإيران بشكل مباشر. في السودان، تدخلت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إلى جانب الولايات المتحدة، للتوسط وفرض تهدئة. أما اليمن، فشهد موقفًا دوليًا أقل حسمًا. ورغم صدور قرارات مجلس الأمن، لم تكن هناك آليات تنفيذ فعّالة. هذا التفاوت في الاستجابة الدولية يعكس اختلاف الأولويات والمصالح بين الأزمات الثلاث.

السيناريوهات المحتملة

في ظل هذه العوامل، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات لمستقبل اليمن: استمرار الحرب دون حسم، أو تثبيت الوضع الراهن وتقسيم البلاد فعليًا، أو التوصل إلى حل سياسي شامل عبر مفاوضات واسعة. نجاح أي من هذه الخيارات يتطلب توافقًا داخليًا وتفاهمًا إقليميًا ودوليًا.

الخاتمة

إن تأخر استعادة الدولة في اليمن ناجم عن تعقيدات متداخلة: من ضعف الدولة قبل الحرب، إلى التشظي العسكري والسياسي، والتدخلات الإقليمية والدولية المتناقضة، إلى الواقع الاقتصادي المتردي. وعلى عكس السودان وسوريا، لم تشهد اليمن حتى الآن تدخلاً حاسمًا يعيد ترتيب المشهد، مما يجعل استعادة الدولة مسارًا طويل الأمد غير محسوم في المستقبل القريب.