الأربعاء 12 فبراير 2025 04:23 مـ 14 شعبان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

اليمن أزمةٌ اقتصادية أم فراغ قيادة؟

الأربعاء 12 فبراير 2025 02:09 مـ 14 شعبان 1446 هـ

لا تترك الحروبُ البلدَ الذي تندلع فيه إلاّ بعد أن تحرق أخضره ويابسه، وتجعله أشبهَ برمادٍ تذروه الرياح، ولا يمكن، بأي حال، أن يعود إلى سابق عهده.

ولا يوجد بلدٌ شهد حرباً كان استثناءً من هذا، بما في ذلك ألمانيا واليابان وغيرهما من البلدان التي انخرطت في الحربين العالميتين الأولى والثانية خلال القرن الماضي.

الفارقُ فقط هو أن هناك أمماً وشعوباً تشهد، بعد حروبها، نهضةً جديدةً، ولكن على أسسٍ ومقوماتٍ من نوعٍ مختلف.

في الحالة اليمنية، نجد أن الحروب التي شهدتها البلاد لم تكن لتطول، أو أن تكون السببَ الوحيدَ في البؤس الذي يكابده أهلها، بل كذلك ضعف الإرادة الوطنية عند بعض قادتها، والسماح بتمادي التدخلات الخارجية في شؤون اليمن وسيادته وحقه في العيش على أرضه بكرامة، مثل أغلب شعوب الأرض، خارجَ إطارِ القانونِ الدوليِّ والمصالحِ الاستراتيجيةِ المشتركة.

برهنت حربُ الأعوام العشرة الماضية أنه لا حلَّ للصراع مع الحوثيين، لا عسكريٌّ ولا سياسيٌّ سلميٌّ. الحوثيون في الأساس “مشروعُ حربٍ” يزداد توحشاً، ولا يمكنه البقاء دون إشعال الحروب، داخل البلاد التي بلغ الاحتقانُ الشعبيُّ فيها ضد سلطة الحوثيين حدَّ الانفجار، وكذلك في الخارج، مع الجوار الإقليمي وحتى العالم، الذي يبدو أنه يعدُّ لعملٍ انتقاميٍّ من الحوثيين لن يكون من بين أهدافه، بالتأكيد، مصلحةُ اليمن والغالبيةُ من أبناء شعبه.

المعسكر المناوئ للحوثيين لا تزال له المشروعيةُ الوطنيةُ والقوميةُ في الاستمرار والبقاء، لكنه عاجزٌ عن حسم الحرب أو وضع شروطه على الطاولة، وذلك لأسبابٍ رئيسيةٍ ثلاثة:

أولها، كان تفكيك مؤسسة الرئاسة بحجة ضعف أدائها، واستبدالها بـ “مجلسِ قيادةٍ رئاسي” من ثمانيةِ أعضاءٍ غيرِ متجانسين، بل متنافسين، وبعضهم يمتلك قوىً عسكريةً وأمنيةً ذات أجنداتٍ خاصةٍ وطابعٍ غيرِ وطنيٍّ.

ثانياً، غيابُ أيِّ دورٍ فاعلٍ للأحزاب والتنظيمات السياسية والنخب الوطنية، ولصناعِ الرأيِ المؤثرين.

ثالثاً، إصرارُ بعض القادة من جنوب البلاد على التغريد خارج السرب الوطني، من خلال المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، في ظل حالة الحرب القائمة، إلى درجة محاولة فرضِ أمرٍ واقعٍ على الأرض، بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة.

لذلك كله، فإن مجلسَ القيادةِ الرئاسيَّ، برئيسه وأعضائه، يواجه تحدياتٍ كبيرة، ليس فقط في ضبط إيقاع أدائه تجاه الحوثيين، بوصفهم الخصمَ المشتركَ لهم، ولكن أيضاً في إيقاف تراجع الوضع المعيشي في المناطق “المحررة”، المفترضِ نظرياً أنها تقع تحت سيطرتهم. فالأزمةُ الاقتصاديةُ تتجه نحو التفاقم في كل يوم، حيث يتراجع سعرُ العملةِ الوطنية، وتنخفض القدرةُ الشرائيةُ للمواطن، وتعاني الخدماتُ الأساسيةُ العامةُ من اضطرابٍ وعدمِ انتظام.

خلاصةُ القولِ هي أن اليمن كله يعاني من فراغٍ واضحٍ في القيادة، ويحتاج اليمنيون إلى “قيادةٍ في الميدان” تأخذ البلادَ نحو دولةٍ جديدةٍ بصيغةٍ مقبولةٍ ومتوافقٍ عليها، وليس لاستعادةِ دولةٍ لا يمكن أن تُستعاد، لا بشكلها القديم قبل الوحدة، ولا بإعادةِ تجزئةِ الأرض إلى شطرين، لشعبٍ واحدٍ وبدولتين لا محالةَ من عودتهما إلى الاصطدامِ ببعضهما، على نحوٍ لا بد أن يكون أسوأَ مما كان عليه الحال قبل العام 1990.