بين القيادة الحقيقية وأزمة التبعية: الدرس السوري والكارثة اليمنية
زيارة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إلى الرياض في هذا التوقيت، تحمل في طياتها درسًا عميقًا في القيادة، احترام الذات، وإعلاء مصلحة الوطن. إنها زيارة تفضح حجم الفراغ القيادي الذي تعيشه اليمن، وتكشف الفارق الشاسع بين من يمتلك مشروعًا وقرارًا، ومن يتخبط في الفشل والتبعية.
الرجل الذي كان يومًا مطاردًا ومهمشًا، عاد ليصبح نموذجًا للقائد الذي يفرض احترامه ومكانته، بفضل رؤية واضحة، وحسن إدارة للأزمات، وثقة بالنفس والمشروع الوطني. في أقل من شهرين، استطاع السوريون أن يشعروا بعودة دولتهم، ويفخروا بقيادة تتحدث بلغة لم يشهدها العالم العربي منذ عقود—لغة الدول والمؤسسات، إعادة الاعتبار للمواطن، تعويضه عن سنوات المعاناة، وبناء مستقبل قائم على الكرامة الوطنية، لا على الاستجداء والارتهان.
سوريا: نموذج البناء من الداخل
الإدارة السورية اعتمدت على ذاتها، على قوة سواعدها، وإيمانها بمشروعها. لم تركن إلى وعود الخارج، ولم ترهن مستقبلها لأحد. أحسنت اختيار رجالها، وحددت بوضوح معالم علاقتها الإقليمية والدولية، وسارت نحو تحقيق هدفها بثبات حتى تمكنت من إسقاط النظام الذي فرض عليها العزلة والحصار. لم تغادر أرضها، بل جعلت من رقعة جغرافية صغيرة نموذجًا لمستقبلها، بنت كيانها ودولتها حتى حققت نصرها، وأجبرت العالم على الاعتراف بها، ليهرع نحوها زرافات ووحدانًا.
اليمن: نموذج الدولة المفقودة
بينما سوريا تثبت حضورها، تقبع اليمن تحت قيادة ضعيفة، متخمة بالفساد، مشتتة، مهاجرة، بلا مشروع واضح. عشر سنوات من التيه، حكومة تخلت عن سلاحها ليس من أجل سلام عادل، بل لترويج استسلامها تحت مسمى السلام. لم تبنِ نموذجًا، ولم تقدم مشروعًا، فهانت على الجميع، وتحولت إلى كيان بلا تأثير، يطارده الفشل واللعنات.
الفرق بين من يفرض الاحترام ومن يستجديه
ما حققه الشرع لسوريا والإقليم، لا يقتصر فقط على استعادة الدور السوري، بل يمتد إلى إنجازات استراتيجية، كإبعاد إيران وحزب الله عن الحدود الشمالية للمملكة، وإعادة تشكيل خارطة النفوذ في المنطقة. في المقابل، فشلت الحكومة اليمنية في تحقيق أي مكسب، لا على مستوى الداخل ولا الإقليم، وعجزت عن كسر الحوثي، أو حتى تقديم نفسها كشريك موثوق للسعودية والمجتمع الدولي.
قيادة بلا مشروع، وإعلام مداح للآخرين
بينما يقود الشرع مشروعًا متكاملًا، تمتلك الحكومة اليمنية من أوراق القوة ما يكفيها لصنع فارق، لكنها تفتقد الإرادة. لم تؤمن بنفسها ولا بشعبها، فخسرت كل شيء. بدلًا من تقديم خطاب وطني جامع، تحوّل إعلامها إلى أداة تمجيد للآخرين، بحثًا عن الفتات، في انعكاس واضح لانعدام الرؤية والمشروع.
الخاتمة: الدرس الذي لم نتعلمه بعد
الفرق بين النموذج السوري والنموذج اليمني ليس في الموارد ولا في الظروف، بل في القيادة والإرادة. الأولى امتلكت مشروعًا وقرارًا، ففرضت نفسها على العالم، والثانية استسلمت للتبعية، ففقدت حتى احترام ذاتها.