الطاولة التي صنعت التاريخ !
تبدو الطاولات أحيانًا وكأنّها مسرحٌ للقدر. تُبسط فوقها أوراقٌ تحكي شيئًا أكبر من الحبر الذي كُتبت به، خرائط تحمل أسرار اللحظة الفاصلة، والوجوه التي تُحيط بها تعرف أنّها ليست مجرد اجتماع عابر.
اليمن اليوم .. يتكئ على الطاولة التي سيُكتب عليها التاريخ.
رُصّ المجلس في حضور لم يألفه الوقت.
د. رشاد محمد العليمي يتوسط المشهد، كما يتوسط قائد حكيم ساحة معركةٍ طويلة، ملامحه مُثقلة بخطوط البلاد وتعبها. حوله عيدروس الزبيدي، تُمثّل ملامحه الجنوب الصلب الممتد عبر الزمن، بجواره سلطان العرادة، بوقار الصحراء التي لم تستسلم لأحد. في الطرف الآخر طارق صالح، رجل يحمل ذاكرة مدينة سقطت، لكنّ روحها أبت إلا أن تنهض. جلس عبدالرحمن المحرمي في صمت الصقور، بينما كان عبدالله العليمي يُدوّن التفاصيل وكأنّه يُمسك بخيوط اللحظة. عثمان مجلي وفرج البحسني، كأنّما جاءا من بوابات الشمال والشرق ليجمعا أطراف اليمن المتناثر حول مائدة القرار.
والطاولة نفسها تسمع ما لا يُقال. هناك تُصاغ الكلمات كأنّها طلقات، وتُحسم المصائر التي تموج في تفاصيلها الحقيقة. لم يكن اجتماعًا سياسيًا فقط، بل كان حوارًا صامتًا بين اليمن والتاريخ، بين شعب تُدميه الخرافة، وبين قيادة تُعيد له ملامحه المُضيئة.
التقارير التي وُضعت أمامهم بدت كأوراق حرب طويلة، أرقام لا ترحم، حقائق تُدمي القلب، لكن بين السطور كان الأمل حاضرًا. إنّها الحرب الأخيرة. حرب ليست على أرض اليمن وحده، بل حرب ستُحسم لصالح الحقيقة على امتداد الأمة كلها.
تحدثت التقارير عن المنشآت النفطية التي أطفأ الحوثي نارها، عن الاقتصاد الذي كتم أنفاسه تحت حصار الفقر، عن الملاحة الدولية المُهددة، وعن مئات الألوف من الأرواح المُعلقة بين الحياة والموت. لكنها لم تكن سوى روايات فرعية أمام الحقيقة الكبرى التي فُتحت أبوابها: المعركة الأخيرة ضد إيران وخرافاتها.
اليمن الآن لا يُحارب وحيدًا .. و لا يقاتل لنفسه فقط.
إنّه يقف على خط الدفاع الأول ضد مشروع الهيمنة الإيرانية، مشروعٌ يُعيد إنتاج الماضي، ويغطيه بشعارات لا تصمد أمام دموع الأطفال ولا صبر الجبال. إيران ترمي بميليشياتها، تُتاجر بجوع الشعوب، وتُشعل النيران حيث لم يعد هناك رماد. في المقابل، يقف اليمن كرمز للمقاومة، يدافع عن شرفه وعن شرف أمة بأكملها.
العالم استيقظ أخيرًا..
السفراء الذين اجتمعوا بمجلس القيادة لم يأتوا للتضامن فقط، بل ليؤكدوا أنّهم جزء من هذه المعركة.
السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا .. دول تعرف أن انتصار اليمن يعني انتصار السلام في الشرق الأوسط. لم يعد بالإمكان الصمت على ألسنة اللهب التي تُحاول #طهران مدّها إلى كل بيت ومدينة.
إنّ المعركة ليست مجرد مواجهة عسكرية.
إنّها حرب على الوعي، على الإنسان الذي سُحق تحت سطوة الطغيان. حرب تُعيد تعريف العدالة بعدما تلطخت بالباطل. لهذا يقف مجلس القيادة الرئاسي اليوم ليُعلن شيئًا أعمق من النصر، إنّه يُعلن أنّ اليمن لن يركع، لأنّ صوت اليمني هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن قمعها.
رُفعت الأوراق، لكنّ الطاولة ظلّت مُثقّلة بالصمت.
كأنّ الجميع يعرف أنّ القادم أصعب، وأنّ الزمن لن يرحم من يتأخر خطوة واحدة عن اللحاق بالمستقبل.
ما الذي تنتظره الأرض بعد كل هذه الدماء؟
إنّه النصر الذي سيُكتب ذات يوم فوق ركام الخرافة.
المعركة ليست لحظة.
التاريخ يُصنع بالتضحيات البطيئة، بالوجوه التي تُعاني، بالقرارات التي تُتخذ في قلب العاصفة، وباليد التي تمتدّ لتنتشل شعبًا من قبضة الخراب. التاريخ لا يُصنع في ساعة أو ساعتين.
إنّه يُكتب على مهل، بأقدام ثابتة على الأرض، وبإيمان أنّ النهاية تليق بمن قاوم، بمن أبى أن يُسلم أرضه أو يُعطي صوته للخرافة.
من هنا تبدأ اللحظة الأخيرة.
اليمن لم يعد مسرحًا للأوهام.
اليمن اليوم .. راية تُرفع فوق الركام، وعدٌ لا ينكسر، وصوت يقول للعالم أجمع: هنا سقطت الخرافة. هنا دُفنت أدوات إيران. هنا صرخ التاريخ: هذا هو اليمن الذي لا يُهزم.
.. وإلى لقاء يتجدد.