لا تأكل لحم أخيك في وليمة الموت..!
كان آباؤنا يسمون الموت هجيمة، لأنه يهجم عليك فجأة لا يسمح لك بترتبب نفسك، و هي هجيمة فقد الأحبة، حيث تدخلك في حزن عميق يجعلك تبكي أمام الناس بدون خجل، أهل الميت يعيشون صدمة حزنٍ عميقة تضربهم في عمق النفوس تجعلهم ينسون حتى الأكل، و لذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ»..
اصنعوا لآل الميت طعاماً فقد هجم عليهم مايشغلهم، مشاعر الحزن تنسيهم صناعة الطعام لأنفسهم، فكيف بنا و نحن ننتظر منهم أن يصنعوا الولائم لنا، ألا يكفي آل الميت ألم فقد القريب حتى نضاعف عليهم الفقد بفقد أموالهم الاي قد لا يملكونها حينها، أو نجعلهم يشعرون بالعار بسبب التقاليد الممقوته، فتجد البعض من أهالي الموتى يخاف من كلام الناس، يتخبط كالمجنون يبحث عن من يدينه المال، يفكر في الوليمة قبل أن يفكر في الدفن، أو قد يضطر لبيع شيء من أرضه أو ممتلكاته بثمن بخس لكي يضيف الناس في موت أبيه مثلاً..
أي عقل و أي منطق في ذلك، فالولائم تقام لأجل الفرح، ولذلك سن المصطفى صلى الله عليه وسلم الوليمة في العرس، العقيقة في الولادة، و الوكيرة في دخول البيت، وهكذا كانت عادات العرب، لكن لم نسمع عن وليمة في موت، بل ومع الوضع الحالي فقد بدأ الناس يتخففون من ولائم الأفراح و البعض لا يزال يصر على وليمة الموت، وقد سألت عجوز يوماً و انا صغير لماذا لم يذهب للغداء بيت الموت؟، فرد علي رداً صاعقاً قائلاً: في وليمة الموت أشعر أنني أأكل لحم الميت!، و قد أحسن التشبيه من قال: كيف تأكل أكلاً طبخ بالدموع..
يجب أن نتظافر لمنع هذه الولائم ومقاطعتها، و كم تعجبني بعض العائلات الذي يتقاسمون أيام العزاء بينهم عند حصول الموت لفردٍ منهم، فلا يجعلون آل الميت يتعبون في شيء، يتركونهم لأحزانهم و يساهمون بوجودهم بجانبهم و بتعاونهم في أن ينسونهم أحزانهم، و هكذا لعمري تكون التعزية..