السلام.. شرق أوسط جديد
![فهد بن جمعة](https://media.almashhad-alyemeni.com/img/23/04/18/253517.jpg)
مت هذه الأيام إعادة العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين، امتداداً لمخرجات قمة العلا في 4 يناير 2021، وبذلك تكتمل وحدة دول مجلس التعاون الخليجية. كما أن السعودية تسعى إلى استتباب السلام في المنطقة وإنهاء الصراعات الجيوسياسية وجعلها منطقة آمنة تنعم شعوبها بخيراتها الاقتصادية والتجارية وما تتمتع به من ميز نسبية. إنها مرحلة جديدة بدأتها السعودية بعودة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وسورية وفض النزاعات بين الجهات المتنازعة في اليمن، إنها بداية للشرق الأوسط الجديد الذي تحلم به شعوبنا، إنها تطلعات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي قال "لا أريد أن أفارق الحياة إلا وأرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم، وأعتقد أن هذا الهدف سوف يتحقق مئة بالمائة"، ثم قال "إن الدول العربية تطورت كثيرً على مستوى اقتصاداتها في السنوات الماضية، والشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة خلال خمس سنوات مقبلة".
إن عملية السلام والأمن من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة، سيكون له أبعاداً اقتصادية كبيرة لصالحها بشكل عام ولصالح الدول الأكثر ضرراً بشكل خاص، مما سيخفض معدلات المخاطر الاقتصادية، ويدعم التنمية المستدامة، ويعزز الثقة في الاقتصاد، وينعش الاستثمار الأجنبي والمحلي، ويحسن أداء القطاع المالي والسياحة والتجارة البينية. إن السلام شرط أساسي لبزوغ شمس الشرق الأوسط الجديد في منطقة آمنة ومستقرة في بيئة داعمة للاقتصاد وجاذبة للاستثمارات، فكلما أصبحت هذه البلدان أكثر سلامًا واستقرارًا، كلما زادت اقتصاداتها نمواً وتنوعاً وتقدماً تقنياً ومعرفياً، لذا ينبغي أن تسعى السياسات الاقتصادية إلى توطيد السلام، وأن تكون الأولويات هي إعادة بناء المؤسسات وتحديثها وتعبئة الموارد لإعادة البناء ودعم النمو الأكثر قوة والشامل للجميع.
إن هذه الصراعات الجيوسياسية لها تكاليف بشرية واقتصادية باهظة ومباشرة على سورية، اليمن، لبنان، العراق التي تدهورت اقتصاداتها وارتفعت معدلات التضخم بنسب قياسية، هكذا تؤثر الحروب والنزاعات سلباً على اقتصادات هذه البلدان ومستقبلها، ولنا عبرة في الاقتصاد السوري الذي وصل إجمالي ناتجها المحلي إلى أعلى مستوياته عند 252.5 مليار دولار في 2010 قبل الحرب الأهلية، ثم تراجع إلى 67.5 مليار دولار مع بداية الاضطرابات في 2011، وانهار بعد الحرب إلى 11.08 مليار دولار في 2020 أي بأكثر من 21.5 ضعفاً، وفقاً للبنك الدولي. أما اليمن فقد وصل إجمالي الناتج المحلي إلى 34.22 مليار دولار في 2014 وفي السنوات الأولى من الحرب انخفض إلى 21.6 مليار دولار في 2018 أي 60 % ومازال مستمراً في تدهوره حتى هذه اللحظة، بينما الدول الأكثر أمناً واستقراراً، كما في الدول الخليجية، تنمو اقتصاداتها بشكل مستمر ومتصاعد، ومنها السعودية التي حققت أعلى نمواً اقتصادياً حقيقياً عالمياً في 2022.
إن السلام لا يدرك أهميته إلا الدول التي عانت من ويلات الحروب، ولا يدرك أهمية الأمن والاستقرار إلا الدول التي تنعم بالازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. لذا تسعى السعودية إلى صنع السلام في المنطقة وترسيخ الأمن والاستقرار، لما لذلك من أثر إيجابي مباشر على تلك البلدان وغير مباشر على بلدان الجوار.
نتمنى أن تتكلل مساعي المملكة بالنجاح نحو شرق أوسط جديد يحقق تطلعات شعوب المنطقة في بيئة اقتصادية واستثمارية مزدهرة.
*صحيفة الرياض