الخميس 6 فبراير 2025 02:53 مـ 8 شعبان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

مفاوضات السفير مع الحوثيين في صنعاء... كشف حساب اليوم الرابع

الأربعاء 12 أبريل 2023 11:43 مـ 22 رمضان 1444 هـ
عبدالقادر الجنيد
عبدالقادر الجنيد

Abdulkader Alguneid(عبدالقادر الجنيد)
***
١٢ ابريل ٢٠٢٣

موضوع اليوم هو عما حدث في الأربعة الأيام الماضية منذ أن وصل السفير السعودي في اليمن محمد سعيد آل جابر إلى صنعاء ليفاوض أعدائه وأعداء الشرعية الذين هم الحوثيون.

يفاوضهم في العاصمة صنعاء التي اقتحموها وسيطروا عليها منذ تسع سنين.

يفاوضهم في عقر دارهم الجديد صنعاء التي ظل يحاربهم ليخرجهم منها بدون أي نجاح لمدة ثمان سنوات.

اليوم الأول- لنا- كان يوم الصدمة والألم،
واليوم الثاني يوم شرحي لتكتيكات ونوايا الحوثيين وندائي لليمنيين بتوحيد الصف،
واليوم الثالث يوم لا بد من منتصر ومهزوم،

وفي هذا اليوم الرابع سنتكلم عما يحدث وسنقوم بوصف وتوصيف ووضع كل تفصيل في الأيام الأربعة الماضية في الإطار المناسب له.

يجب وصف الوضع كما هو بدون "تجريح" وبدون "تطبيل" للسفير أو الحوثيين.

سنضع لكل نقطة عنوان وسيتم تحتها وصف ما يتعلق بالسفير وبالحوثيين.

**
أولا: ما قبل وصول السفير
**

١- الإعداد
*
من أبجديات وبديهيات التفاوض أو المُشَارَعَة أو الذهاب للتحكيم أو المحاكم، هو أن تجهز نفسك جيدا وتحدد نقاط ضعفك ونقاط قوتك، وتحدد سقفك الذي تتمنى الوصول إليه وخطوطك الحمراء التي لا يمكن أبدا التنازل عنها.

ويجب ألا تذهب للتفاوض مع عدوك إلا بعد أن تكون قد درست نقاط ضعف عدوك ورسمت الخطط لاستغلالها،
ودرست نقاط قوة خصمك ورسمت الخطط لإضعافها.

السفير:
*
وصل فجأة إلى صنعاء.
أنا لم أتيقن فعلا من أنه السفير آل جابر إلا في اليوم الثاني.
وصل السفير السعودي لمفاوضة عدوه الحوثي بعد أن توصلوا لقرار تغيير بلاده، أي موقف المملكة العربية السعودية بشأن اليمن وبشأن حلفائهم في شرعية اليمن وبشأن الحوثيين وبشأن داعميهم الإيرانيين.

وصول السفير هذا، هو موقف جديد ويحتاج لحالة مزاجية ومعنوية جديدة ولخطط جديدة.

لم يكن هناك وقت كاف عند السفير أو عند المملكة لبحث ودراسة والإعداد والتجهيز لأحسن الطرق والتكتيكات للخروج بموقف يخدم هذا التحول الجديد في سياسة واتخاذ القرارات وتنفيذ القرارات على الأرض.
وهذا مخالف لمبدأ أساسي لأي مفاوض أو مُشارع أو محامي.

الحوثيون:
*
لم يغيروا مواقفهم ولن يغيروها.
يعرفون نقاط قوتهم كما يعرفون نقاط ضعف الشرعية والسعودية.
وها هو العدو السفير المسؤول عن ملف اليمن قد وصل إلى ربعهم وعقر دارهم وهم يرونه مجرد لقمة سائغة سمينة جاهزة للالتهام وليس للمفاوضة.

هل يمكن للفريسة prey أن تفاوض ناهشها predator بعد أن يكون قد ضغط على رأسها وأتم غرز الأنياب في رقبتها؟

**
ثانيا: تنازلات ما قبل الوصول
**

دفعت المملكة وقدمت تنازلات كبيرة للحوثيين قبل أن يأتي السفير للتفاوض مع الحوثيين.

لا أحد يقدم التنازلات وبعدها يذهب للتفاوض.

المفاوض، يقدم تنازلا مقابل تنازل ومكسبا مقابل مكسب وخسارة مقابل خسارة والاقتراب من موقف في منتصف الطريق مقابل أن يقترب الخصم إلى منتصف الطريق.

السفير
*
قدَّم مطار صنعاء ليصل إليه خبراء إيران وقدَّم ميناء الحديدة ليصل إليه نفط وسلاح إيران ووعد بدفع مرتبات لميليشيا الحوثيين وأتم شرعنة التمرد والانقلاب الحوثي ويتخلى عن الشرعية التي خلقها ورباها ودعمها، قبل أن يصل بطائرة خاصة إلى صنعاء.

الحوثيون
*
لم يقدموا أي تنازلات قبل وصول السفير ولا اقتربوا من منتصف الطريق وأكدوا أنهم لن يتفاوضوا أبدا مع الشرعية ولا مع رئيسها ولا حكومتها.
ربما قدموا وعدا لا يقدم ولا يؤخر بأنهم لن يضربوا السعوديين من جديد إذا أنهت السعودية تدخلها في اليمن.
هذا سيكون عندها مؤكد وبديهي وتحصيل حاصل.

الحوثيون، ربما يكونوا قد قدَّموا وعدا بالسماح للسعودية ببناء جدار عازل في حالة التوصل لسلام شامل كامل.
ولكن كلنا نعرف جيدا أنه لا يمكن أن تصل اليمن إلى حل تفاوضي سلمي نهائي في وجود الحوثيين.
وعلى هذا فإن الوعد بالسماح ببناء الجدار العازل لن يأتي وقته أبدا.

٣- مصالحة إيران والضغط على الحوثي
*
السعودية تصالحت مع إيران ووقعت معها اتفاقية في الصين.
أحد أسباب تصالح السعودية مع إيران هو للضغط على الحوثيين.

السفير
*
السفير والمملكة يعتقدون أن إيران يمكن أن تضغط على الحوثيين كما تقوم المملكة بالضغط على الشرعية كما تشاء ووقت ما تشاء.

الحوثيون
*
إيران، لن تضغط أبدا على الحوثيين وقد صرحوا بهذا على كل مستوى قيادي وسياسي وعسكري.
ولا تحتاج إيران للضغط على الحوثيين.
ومن المناسب لإيران أن يتعنت الحوثيون.
وليس مع السعودية ما تقدمه لإيران من ثمن مادي مناسب للضغط على الحوثيين.
وستحقق إيران أهدافها ومصالحها الحيوية بتعنت الحوثيين وليس بتجاوبهم مع السعوديين.

الحوثيون، لن يستجيبوا لأي ضغط إيراني وقد صرحوا بهذا.

٤- الرغبة في الخلاص
*
كل من السفير والحوثي عندهما رغبة أكيدة بالخلاص.

السفير:
*
السفير، يريد الخلاص أي خلاص.
السفير، مستعجل.
السفير مضايق ومتضايق قوي قوي (متضايج جوي جوي، بلهجة الحوثي)

وهذه حالة مزاجية ومعنوية مرعبة ومخيفة إذا تقمصت أي مفاوض.

الحوثي:
الحوثي يريد الخلاص الذي يتخلص من الشرعية واليمنيين.

الحوثي، ليس مستعجلا وهو يشعر بأن السعودية والشرعية ستسقطان بعد وقت قد يقصر وقد يطول وهو لا يوجد عنده أي مانع من الانتظار حتى يأتي ذلك الوقت.

الحوثي، يريد الخلاص الذي ينهش فيه لحم وفلوس السعودية ويتركها بعدها عظاما ناشفة يابسة.

وهذه حالة مزاجية ومعنوية شرسة يقف عندها سقف الحوثي وأي شيئ يحصل عليه تحت هذا السقف سيظل مكسبا هائلا.

**
ثانيا: ما بعد وصول السفير
**

١- اليد العليا
*
هناك كلمة بالإنجليزية Upmanship، لا يوجد عندنا بالعربية كلمة واحدة مثلها تصلح كمرادف يعطيها حقها. ويمكن أن نشرح بأنها تعني الظهور بمكانة صاحب اليد العليا عن طريق حركات بتعبيرات الوجه أو التلويح باليد أو الإشارة بالأصابع أو باستعمال لغة الجسد أو طريقة الجلوس.

السفير
*
ظهر في كل الصور كأنه الأدنى والغريب الذي وصل إلى مأدبة من هو أعلى.

الحوثيون
*
هكذا أظهر الحوثيون مكانة اليد العليا للتنقيص من الموقف الأخلاقي والمزاجي والمعنوي للسفير

جلال الرويشان،
جعلوه يقف بجانب رئيس المجلس السياسي محمد علي الحوثي بينما السفير يقدم لمصافحته على رأس طابور المصافحين.
جلال الرويشان، هو نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية في حكومة الحوثي وكان أحد جرحى قاعة العزاء على والد جلال الرويشان التي قصفتها طائرة حربية سعودية في ٨ أكتوبر ٢٠١٦ وقتل فيها ١٤٠ شخصا من المعزيين ومن أسرة الرويشان.

الرسالة من الحوثي للسفير: هذا حساب يجب تسويته.
بجانب الهزة المعنوية وتنقيص الجانب الأخلاقي الأعلى Upper Moral Ground للسفير

علي ناصر قشرة؛
جعلوا السفير يجلس على كنبة بجانب علي ناصر قشرة الغليظ الجسم والعابس الوجه وهو ينتظر آذان المغرب ليتناولوا معا تمرة إفطار صائم رمضان ثم يصلون معا قبل الجلوس على مائدة الإفطار.
الصورة التي التقطوها للسفير كانت وهو يتفحص وجه علي ناصر قشرة الغليظ المتجهم العابس الذي قد ركز وجهه في الأمام ولا يبدي للسفير أي إهتمام.

صحيفة الجارديان البريطانية خصصت فقرة كاملة لمغزى تجليس الحوثيين لعلي ناصر قشرة بجانب السفير.

علي ناصر قشرة، كان مطلوبا حيا أو ميتا بجائزة قدرها أربعة ملايين دولار ضمن قائمة العشرين المطلوبين لعقاب السعودية.

الرسالة: أيها السفير أنت قد فشلت ولم تحقق أي من أغراضك وها نحن قد وضعناك بجانب أحد رموز فشلك.

وبالتأكيد فإن غرض الحوثي من تجليس السفير بجانب عابس الوجه قشرة ليس الحفاوة ولا كرم الضيافة والمؤانسة.

٢- وسيط الوسيط
*
السفير، قال للحوثيين بأن أحد أهدافه هو القيام بدور الوسيط بين عبد الملك الحوثي ورئيس الشرعية رشاد العليمي وبين الحركة الحوثية وحكومة الشرعية اليمنية ليتشاركوا بالحكم.

الحوثيون، مفاوضون بالغريزة ومشارعون في المحاكم الشرعية وفي قضايا التحكيم أبا عن جد وعبر مئات السنين.

وقع السفير بين أيدي الحوثيين وهات فين يوجعك.

محمد علي الحوثي، غرد في التويتر ساخرا:
"إذا كنت أنت وسيطا بين اليمنيين، فما هو وضع العمانيين الذين وصلوا قبلك ليتوسطوا لنقبل وصولك"

جلال الرويشان، غرد في التويتر مهددا:
تمام أنك حضرت عندنا ولكن أنت عدو وبلادك عدوة والطرف الذي يحاربنا وليس اليمنيين.

قناة المسيرة الحوثية وكل المؤسسة الحوثية،كانت عدائية إلى أقصى درجة ضد السفير:
أنت العدو وبلادك هي العدوة.
المملكة السعودية هي فقط التي سنتفاوض معها.
سنرغمك أنت وبلادك على التعويضات وإعادة الإعمار.
إذا لم توافق على شروط السلام هذه فقد جربتمونا في الحرب ثمان سنين.
لن نتفاوض مع رشاد العليمي ولا مع حكومة الشرعية.

تعليق
*
١- المفاوض الغير مستعد
*
هذا نموذج لما يحدث لأي مفاوض يذهب لعقر دار العدو بدون أن يعرف نقاط ضعفه ونقاط قوته، ونقاط ضعف ونقاط قوة العدو، ولا يجهز نفسه لتوقع ما سيحدث ويتجنب من الهفوات ما قد يتسبب بسقطات وخسائر.

٢- ونحن لا نريد وسيط الوسيط
*
مادام الأمر هكذ، حتى نحن لا يناسبنا أن يكون سعادة السفير أو المملكة وسيطا بين حكومة ورئاسة الشرعية اليمنية وبين قيادة وحكومة الحركة الحوثية.

نحن- أي الشرعية- مَضْرَبَة ومَلْطَشَة وبدون أي صلابة أو قوة تجاه أي ضغط سعودي، وقد اختبرنا هذا عند الذهاب إلى مهزلة محادثات ستوكهولم وتكبدنا عواقبها.
واختبرنا أيضا سطوة وهيمنة السعودية في ٧ ابريل ٢٠٢٢ عندما استبدلوا لنا الرئيس هادي بمجلس رئاسة من ثمانية أعضاء لم يُحسنوا- لا هم ولا السعوديون- من وضعنا ولا انتقلوا إلى العاصمة عدن التي ساهم قطبي التحالف هم بأنفسهم بجعلها طاردة لأي رئيس يمني ولأي حكومة يمنية مستقرة.

**
ثالثا: المزيد من التنازلات
**

وصول السفير إلى صنعاء، ضعف شديد وليس شجاعة.

الوصول بهذه الطريقة المفاجئة وبعدم الاستعداد والتجهيز وبدون حتى استيعاب مغزى وعواقب رغبة المملكة الملحة والمستعجلة للخروج من اليمن.

السفير
*
السفير، خائف من رفض الحوثي، فسيتنازل.
وهذه نقطة ضعف.

السفير، خائف من فشل المهمة والعودة خالي الوفاض.
وهذه نقطة ضعف.

السفير، بلا سقف وبلا خطوط حمراء ومستعد لأن يغير كلامه ويعدل أهدافه.
ويسبب الحنق والألم لأصحابه داخل اليمن ومستعد أن يفقد جمهوره وحلفائه.
وهذه نقطة ضعف.

الحوثي
*
الحوثي، مبسوط من الوضع الحالي ويريد هضم التنازلات السابقة التي قد حصل عليها فعلا قبل وصول السفير.
ولن يقدم أي تنازلات جديدة وهو أصلا لم يقدم أي تنازلات قديمة.
ولا يكترث لفشل مهمة السفير.
وهذه نقطة قوة

الحوثي، سقفه مرتفع وخطوطه الحمراء تقع في نفس مستوى السقف.
ويتسبب بالبهجة والنشوة لجمهوره وحلفائه.
وهذه نقطة قوة.

**
رابعا: تمنياتنا للسفير
**

نتمنى لسعادة السفير محمد سعيد آل جابر أن ينفذ بجلده من الحوثيين ومن المكان الذي وضع نفسه فيه بنفسه.

نتمنى لسعادة السفير أن ينقص من الغرامة الفادحة التي يتسبب بها لنفسه ولبلاده ولنا ولليمن و أن يعود إلى الرياض بأقل الخسائر الممكنة.

نتمنى لسعادة السفير أن يعيد ترتيب أوراقه وأن يقدر أن يؤثر على عملية اتخاذ القرار وعلى إعادة ترتيب أوراق المملكة العربية السعودية.

وأمنية صغيرة أخرى
*
وأتمنى أن أكون قد ساهمت بتوضيح بعض الأشياء لأهلنا ولرئيس الشرعية ولحكومة الشرعية، لعلهم يستطيعون الاستفادة منها.

عبدالقادر الجنيد
١٢ ابريل ٢٠٢٣

موضوعات متعلقة