كتابُ الضوء والصفاء.. قراءة في ديوان ”كتاب صنعاء”
لابُدّ أنّ ديوان " كتاب صنعاء " كان أغنيةً غافيةً بين جوانح الشاعر عبدالعزيز المقالح منذ زمنٍ بعيد. متى وكيف فتحَت الأغنيةُ عينيها ، وباحت بِضَوعِ جدائلها وضوء صفائها؟ الضوءُ والصفاء .. ضوءُ مدينةٍ وصفاءُ شاعر. ولا بُدّ أنها كانت لحظةً مثل عُمْر حين عانق الضوءُ الصفاءَ فكانت هذه الأغنية العذبة الطويلة الواحدة " كتاب صنعاء "
أُسمّيه إذن، كتاب الضوء والصفاء.
" على وابِلِ الضوءِ تصحو
وتخرجُ من غَسَقِ الوقتِ
سيّدةً
في اكتمالِ الأنوثةِ
هل هطلَتْ من كتابِ الأساطيرِ
أم طلَعَتْ من غناءِ البنفسجِ
أم حملَتها المواويلُ
من نبعِ حُلْمٍ قديمْ.
هيَ صنعاءُ ، حانةُ الضوءِ فادخلْ
بسلامٍ وقبّلِ الأرضَ عشرا
واعتَصِرْ من جمالِها الفاتنِ البكْ
رِ ، رحيقاً يُضِيفُ للعُمْرِ عُمْرا "
تجلياتُ الضوءِ هذه كانت تباشيرُها قد تنفّسَتْ في آفاق ديوان " أبجدية الروح " لكنها أشرقَتْ ساطعةً في ديوان " كتاب صنعاء " وَهُما في ظني توأمٌ فريدٌ ينهل من أُفُقٍ للنور جديد.
ما يُميّزُ هذا الأفق الجديد - وهو جديدٌ حتى في إطار سماوات الشاعر وتجربته - أنهُ طاقةٌ للروح ، وملاذٌ من الحزن.
أُفُقٌ يبدأُ حيثُ يُظَن أنهُ ينتهي فهو ابتداءٌ دائم. أُفُقٌ لايُضيءُ فحسب بل يُوَلّدُ ضوءَهُ أيضاً.
ولذلك، أحسبُ أنّ أجنحةَ الشاعر الخافقة صوبَ هذا الأُفُق وفيه ستظلُ محلّقةً هائمةً راضيةً وسط رذاذِ ضوءٍ لا يُمَل لفترةٍ من الزمن أحسبُها ستطول. فكتابُ صنعاء ماهو إلاّ فاتحةً لكتابٍ يكتبُهُ الضوءُ والغيم، تكتبُهُ الروحُ في أبهى تجلّياتها.
الشاعرُ في " كتاب صنعاء " تماهى بالمكان الملاذ كمنبعٍ للضوء وواحةٍ للصفاء .. كملاذٍ أخيرٍ للروح المحاربة في رحلة الحياة والأفكار والناس.
المكانُ إذن، أزمانٌ مضت وزمنٌ يجيء. المكانُ عينُ الحقيقةِ الواقعة والمتوقّعة. المكانُ استشرافٌ ورؤية ، وبالتالي طمأنينة.
يرى ويُوقِن الشاعرُ هنا بعد تجربةٍ حافلةٍ طويلة أنّ المكانَ هو ما يبقى ، وسواهُ عابرٌ لا يُقلِق، سواهُ هباءٌ وهوام.
***** مقتطفات من قراءة أو نبوءة كتبتها في سنة 2002 وصحّت نبوءتي بأنّ الدكتور المقالح في هذا الديوان وسابقه بدأ مرحلةً شعرية روحيةً صوفيةً جديدة ستلازمه طويلاً .. وهذا ماحدث ، فقد دخل في أُفُق الضوء ذاك ولم يخرج منه حتى رحيله ، وأصدر خلال هذه الفترة عشرة دواوين روحيةً صوفية من أروع وأصفى ما كتب في حياته منها "كتابُ الأصدقاء ، و " كتاب الأم " و " كتاب القرية " و " بلقيس .. وقصائد للأحزان " ...الخ.