عسكر الجن لايزالون يلاحقون اليمني ولكن ماباليد حيلة
مقيم في المخا، وأقضي وقتا في عدن.. الأخيرة أهرب لها لاستريح من الارهاق.. ذات مرة بعد عام كامل من البقاء في المخا بقيت ساعة في جولة كالتكس استعيد ذاكرتي البصرية.
نكافح بالبقاء في المخا مع مجتمعنا هناك، أهلنا وعائلاتنا ورفاق قضيتنا.
في المخا عرفت ان الغبار كيان مادي كالحصى، يوجع وقت الحر..
في المخا تغيرت ذاكرة جسدي التي تكونت لاربعين سنة، مع الريح والمطر والشمس والشوارع والزرع والحجر.. مع الحر والبرد، لم أصدق اني شعرت بالبرد ذات زيارة لعدن، كأنما الحمى في عدن هو أخ اصغر لحمى المخا.
أسافر كل ستة أشهر خارج اليمن، في بعضها أعود بعد يومين وبعضها أضطر لشهر او اكثر قليلا..
ذات مرة بقيت في المطار حيث سافرت، انجزت عملي وعدت.
كلما بقيت في الخارج يوما زائدا أفقد احساسي بالمكان الذي جئت منه والذي أكون فيه.
أتوه، تتخشب كلماتي، أشعر كأني اوراق في مهب رياح تأخذها يمنة ويسرة بلا وجهة ولا مشاعر..
يدهشني جمال المدن، تبرق في عيوني كل مظاهر التحضر البشري، ثم يتوقف احساسي الخاص بي انا كفرد كانسان كروح.. تتوقف لدي وظائف عقلية وروحية وحتى جسدية في فناء العالم الفسيح، فأعود هاربا الى أولياتي في بلادي..
أكيد في مكون ناقص في دمي، المكون الانساني الذي كل العالم أرضه وبشره.
ولكني أشعر بالخواء الذي يعانيه من غادروا بلادهم مضطرين.. يملئون وقتهم بضجيج حياة لم يعرفوه اطلاقا في بلادهم، خاصة العائلات، فمن لم تغادر مدينتها او قريتها حتى، تعيش اليوم جدول حياة في مدن العالم، في مولاتها ومقاهيها وشوارعها..
وهذا ضجيج يلهي الوجع، لكني متأكد ان دموعا حرى يمنية تسيل كل يوم في كل مدن الشتات وهي تتمنى غبار بلادها.. ولكن ماباليد حيلة. وعسكر الجن لايزالون يلاحقون اليمني كما وصفهم مطهر الارياني في تغريبته "البالة"..