الخميس 6 فبراير 2025 06:20 مـ 8 شعبان 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

جيفارا عدن

السبت 8 أكتوبر 2022 03:27 مـ 13 ربيع أول 1444 هـ

بعد أن تَزَايدت العمليات الفدائية ضد أفراد وآليّات الاحتلال البريطاني في ضواحي عدن، وبعد أن كانت قوات الاحتلال قد أشاعت أن تلك العمليات ليست سوى أعمال تخريبية فردية وليست ثورة، كان لا بد مِن ظُهور قائد يَنقل هذه العمليات إلى داخل المستعمرة ليدحَض هذا الادّعاء، ويُظهِر للعالم أن مرحلةً جديدةً من مراحل الثورة قد بدأت في الاتساع والتمكن، فكان (فيصل عبداللطيف)

1936-1970م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وُلِد فيصل عبداللطيف الشعبي في الصبّيحة، محافظة لحج، وتلقى تعليمه الأولي في مدرسة (جبل حديد) في عدن، ثم في المدرسة العبدلية في الحوطة، ثم ابتُعِث إلى الدراسة الجامعية في مصر، وحصل هناك على البكالوريوس في التجارة والاقتصاد عام 1956م، وفي نفس هذا العام كان في طليعة المتطوعين في وحدات كتائب الطلاب أثناء العدوان الثلاثي على مصر.

كان لإرثِهِ العائلي الوطني وتواجده في مناخ ثورة يوليو في مصر أثرُه في صقل وعيِه وإثرائه، ووجد حينها في حركة القوميين العرب ضالته؛ وهي الحركة التي نشأت وقامت على إثر النكبة الفلسطينية عام 1948م.

وبعد التحاقه بحركة القوميين العرب حضر عدة دورات في دمشق كُلِّفَ بعدها بمهمة تأسيس فرع الحركة في اليمن، ومنذُ بداية العام 1959م استطاع بما كان يتمتع به من ذكاء وخبرة تنظيمية وثقافة واسعة وقدرة قيادية من تشكيل أولى الخلايا التنظيمية للحركة في اليمن، وأصبح المسؤول الأول عن قيادة فرع الحركة في إقليم اليمن منذُ العام 1959م.

بعد تخرجه من جامعة عين شمس عاد إلى عدن، والتحق بالعمل في وزارة التجارة التابعة لحكومة عدن، وذلك لفترة خمسة أشهر، اضطر بعدها للتفرغ للعمل التنظيمي والإعداد لانطلاقة الكفاح المسلح الذي اتسع ليشمل كل المناطق الجنوبية، وكان له فضل الإعداد والتحضير لفتح جبهة عدن، واستمر في ذلك حتى منتصف العام 1965م, حيث اضطر للانتقال إلى تعز بناءً على طلب قيادة الجبهة القومية لتولّي مسؤولية العمل المركزي من هناك.

سرعان ما عاد إلى قيادة العمل في عدن متخفيًّا في نفس العام نتيجةً لاعتقال السلطات البريطانية معظم الصف القيادي في عدن، كما أسهم في قيام وقيادة معركة 2 يونيو 1967م، حيث تم الاستيلاء والسيطرة على (مدينة كريتر) لفترة أسبوعين تقريبًا، ذاقت فيهما بريطانيا أقسى الهزائم في كبريائها وهيبتها وجنودها.

في العام 1967م كان فيصل وبشهادة الكثير من القيادات الصادقة في جبهة التحرير أكثر الناس حرصًا على وحدة الصف الوطني والدعوة إلى المصالحة ونبذ الخلافات، كما شارك في محادثات ومفاوضات الاستقلال الوطني مع بريطانيا والتي كانت قائمة على لغة التفاوض عبر مفاوضات مباشرة ومتكافئة.

تسلّم وزارة الاقتصاد والتجارة والتخطيط في أول حكومة وطنية بعد الاستقلال، وكان يُدين كل المزايدات التي كان يرى فيها قفزًا على الواقع، ويرى ضرورة تركيز الدولة على الرأسمال الوطني وضرورة مساهمته في الداخل والخارج في عملية التنمية الوطنية وإشراك الرأسمال الوطني في المهجر، والتخطيط السليم للاستفادة من ثروات الوطن البترولية والمعدنية، ولكن ذلك قوبل من قبل اليسار بالممارسات الهدامة والمزايدات.

وكان فيصل يؤمن بضرورة التعايش مع الآخرين، رغم الاختلافات، من منطلق حق الآخرين في التعبير عن آرائهم، ولم يؤمن بأن الدم والقتل والاغتيالات وقمع الحريات تشكل وسيلة لحل الخلافات.

قدّم فيصل استقالته من الحكومة ووزارة الاقتصاد؛ نتيجة للمزايدات والإرباكات التي افتعلها البعض، ولم تُقبل استقالته.

ثم عيّن وزيرًا للخارجية، ثم رئيسًا للوزراء في أبريل 1969م.

جمّد نفسه بعد حركة 22 يونيو 1969م ثم فُرضت عليه الإقامة الجبرية في منطقة الرئاسة، وفي مارس 1970م تم نقله إلى سجن الفتح الرهيب، ورغم أنها بُذلت جهود حثيثة من قِبل الزعيم (جمال عبد الناصر) لدى عدن للإفراج عنه وإقامته في القاهرة، وكذلك من قبل الزعيم الجزائري (بو مدين) ودولة الكويت.. لكن تلك الجهود كلها باءت بالفشل.

ثم هناك.. في (سجن الفتح).. كانت النهاية المأساوية لهذا الرجل الذي يُعتبر من القلة القليلة الذين بذلوا أعمارهم وحياتهم في سبيل الوطن، وتميز بحكمته القيادية وبجسارة المناضل وعمق المثقف ونبوغ السياسي الفذ، لكن هل غير هذه النهايات التي تليق بمثل هذه القامات!

لقد مورست في حقه أبشع صور التعذيب النفسي والجسدي، ثم استدعي إلى الزنزانة رقم (4) كما يَذكر أخوه غير الشقيق في لا يتسع المجال لشرحها هنا، ولكني سأقتبس منها ما يلي:

(كان هناك اجتماع.. وبالتحديد في غرفة قيادة المعسكر، ثم يقطع ذلك الصمت صوتٌ أجَش من الأعلى، من غرفة قيادة المعسكر لم يُفهم بوضوح، وإن كان قد فَهِمَه المعنيون، حيث أطفئت أنوار الحوش وأضواء الزنازين وتبقى نور غرفة القيادة.. تنتهي هذه الحركة بدخول أربعة من الزبانية بآلياتهم الأربعة.. يقطعون الحوش على أضواء غرفة القيادة المشرفة وتبقى الغرفة رقم (4) ذات الباب الأبيض الخشبي مضاءة، ويفتح الزبانية غرفة رقم (5) ويقتادون منها فيصل بعصبية وعنجهية لم يصمد معها رغم مقاومته.. ويقتادونه إلى الغرفة البيضاء، ويُلقُونه رميًا على أرضها، ثم وبرغم الخوف والرهبة المسيطرة على المعتقلين الآخرين إلَّا أن المشهد شد انتباههم، وكذلك أضواء الغرفة البيضاء التي أُخِذ إليها فيصل، وتنطلق من فيصل صرخةُ ألمٍ شديدة، تبين أنها طعنة سونكي (خنجر الآلي) في صدره، قبل أن تتلاشى صدى صرخة الألم في أرجاء المعسكر وداخل الزنازين، تنطلق أربع آليات مفرغةً ذخيرتَها في جسده الطاهر، فتمزقه إربًا (أو كما قال المنفدون لاحقًا: قد خلّينا جسده منخل) يقصدون "غربالًا".